السعيد الدريوش.. الشعر زمن السعديين

07 أكتوبر 2020
(قصر البديع في مدينة مراكش، Getty)
+ الخط -

ازدهر الأدب في معظم المراحل التي عرفها العصر السعدي في المغرب خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، وانتعشت العديد من المراكز الثقافية بعد خمول ساد الفترة السابقة، خاصة حاضرة سوس التي شهدت نهضة واسعة.

كما تأسّس في ذلك العصر عدد من الخزائن والمكتبات التي احتوت الكتب الأندلسية والمشرقية، بالإضافة إلى وفرة المؤلفات المغربية في مدن المحمدية ودرعة وسجلماسة وفكيك، وعرفت مجالس الدرس إقبالًا شديداً، ونشط التأليف والإبداع بفضل العطايا التي منحت للعلماء والأدباء.

صدر حديثاً كتاب "المعلقات الشعرية في العصر السعدي" للباحث المغربي السعيد الدريوش عن "دار القرويين للنشر والتوزيع" في مدينة القنيطرة، الذي يضيء لوناً شعرياً له ارتباط وثيق بفن العمارة الإسلامية، واستمد مقوّماته الإبداعية من تداخل عديد من الفنون مثل فن الخط،  وفن النقش، أو شعر النقوش.

يضيء الكتاب لوناً شعرياً له ارتباط وثيق بفن العمارة الإسلامية

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يشير المؤلّف إلى أن "العصر السعدي يعد حقبة ثرية متفردة من حيث الازدهار العمراني المتمثل في فخامة قصر البديع، هذا الصرح الملوكي العجيب الذي بناه السلطان المنصور السعدي. وقد جاء سياق بناء هذا القصر الملوكي العجيب عقب انتصار المنصور ا في معركة وادي المخازن الشهيرة، وقد توخى من خلاله تخليد الذكر والأثر والتفوق على سائر الملوك السابقين من حيث البناء والعمران، فحشد له الصناع وأرباب الحكمة من بلاد النصارى، واستغرق البناء والتشييد زمنا طويلا يزيد على ستة عشر عاماً".

يضيف الدريوش: "انتهج المنصور السعدي الفن الغرناطي في بناء قصر البديع، ومعلوم أن قصر الحمراء بغرناطة كان ولازال مزداناً بالأشعار المنقوشة على الجدران والقباب والطيقان والنافورات، ولعل نافورة الأسود خير مثال على الزخرفة الإسلامية الفاتنة، وسيراً على هذا النمط الأندلسي سار المنصور السعدي، فزركش قباب قصر البديع وجدرانه وأبوابه بالنقوش الشعرية لشعراء النقوش السعديين، وهم شعراء ديوان الإنشاء، كالمسفيوي والشياظمي والهوزالي، ويعد عبد العزيز الفشتالي أبرزهم وفيه قال المنصور: (إن الفشتالي نفتخر به على ملوك الأرض ونباري به لسان الدين ابن الخطيب)".

غلاف الكتاب

ويوضح الباحث المغربي أن "الشعر ارتبط بفن العمارة منذ العصر الغرناطي، فقد كان الخلفاء المسلمون يزينون قصورهم بالأشعار المنقوشة على القصور، وسيرا على هذا النهج، سار المنصور السعدي في تزيين قصوره بالأشعار التي اتخذت أربعة أنماط متميزة، وهي النقش على الجدران والقباب والخشب، والرسم بالأشعار، والكتابة لتبيان جمالية الخط العربي، إضافة إلى التطريز بالشعر، والتطريز هذا كان يخص الأثواب تحديداً. وهنا تبرز قيمة الشعر عند الخلفاء السعديين وكيف أنهم اتخذوه نمطا زخرفيا تزدان به قصورهم ومنشآتهم الملوكية".

كما يلفت إلى أن أبرز الأغراض الشعرية تمثّلت بالمديح والوصف والفخر وهي الأشعار المنقوشة على قصر البديع تحديداً، أما الرثاء فيخص الأشعار المنقوشة على قبور السلاطين السعديين"، مبيناً أن "هذه الأشعار تنظم لغاية النقش، وتتميز ببراعة الاستهلال وبالختم بالدعاء للسلطان السعدي، إضافة إلى تضمنها تاريخ البناء عبر حساب الجمّل السائد آنذاك".

وينقسم الكتاب إلى أربعة فصول، الأوّل تضمّن أبرز مظاهر العمارة في العصر السعدي، "قصر البديع"، ومختلف الأشكال الشعرية النقشية التي اتخذها الفنان المغربي في ذلك العصر، وهي النقش والرسم والكتابة والتطريز. أما الفصل الثاني فانصرف إلى دراسة الأغراض الشعرية لشعر النقوش، وهي الوصف والمدح والفخر والرثاء.

ويدرس الفصل الثالث خصائص المعلقات السعدية والصّورة الفنية من خلال موضوعاتها وتشكيلاتها وموسيقى الشعر المنقوش على قصر البديع؛ بينما تناول الفصل الرابع ظاهرة التناص في الشعر المنقوش، مبرزا المعارضات الشعرية لشعراء النقوش السعديين.

المساهمون