السريالية بعد مئة عام.. الفن وسؤال الحرب

مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، بدأت أولى إرهاصات الحركة السُّريالية عبر مجموعة نصوص تجريبية ومقالات نُشرت عقب سنة 1919، ترتبط بشكل وثيق بالدادائية التي تبنّت العبث والجنون في إدانتها القتل والمذابح، حتى كتَب الشاعر الفرنسي أندريه بريتون عام 1924، بياناً مؤسساً للسُّرياليين.

استند البيان الذي نشرت الصحف مقطتفات منه في السادس من أيلول/ سبتمبر من ذاك العام، إلى نظريات سيغموند فرويد حول الأحلام والجنون، ونصوص تُوضّح الكتابة الآلية التي اعتمدها بريتون عبر تدوين جُمل غير مترابطة، وكان النصّ يُعدّ مكتملاً عند انتهاء الوقت المُخصّص لكتابته، وتنظيراته حول العقل والخيال.

في ذكرى مرور مئة عام على تأسيس الحركة، افتُتح مساء الأربعاء الماضي في "مركز بومبيدو" بباريس معرض "السريالية" الذي يتواصل حتى الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير المقبل، ويضمّ مجموعة من اللوحات والرسومات والأفلام والصور الفوتوغرافية والوثائق الأدبية.

كما يحتوي أعمال العديد من الفنانين السُّرياليين، منهم: سلفادور دالي، ورينيه ماغريت، وجورجيو دي كيريكو، وماكس إرنست، وخوان ميرو، بالإضافة إلى فنّانات سورياليات ظهرن في وقت لاحق مثل المكسيكية ليونورا كارينغتون، والبريطانية إيثيل كولكوهون، والفرنسية دورا مار، والأميركية دوروثيا تانينغ.

وقُسّم المعرض بحسب التسلسل الزمني والمواضيع في 14 قسماً، تستحضر بعضها شخصيات أدبية ألهمت السريالية، وفي مقدّمتهم الكاتبان الفرنسيان: ماركيز دي ساد (1740 - 1814)، ولوتريامون (1846 - 1870)، والكاتب البريطاني لويس كارول (1832 - 1898)، والمفاهيم والمبادئ التي ارتبطت بالحركة كالغابة والحلم وحجر الفلاسفة وغيرها.

المعرض الذي يضمّ حوالي 500 عمل بعضها من مقتنيات المركز وأُخرى مُعارة من مؤسسات فنّية عالمية، صُمِّم على شكل متاهة وصولاً إلى قاعة دائرية كبيرة مُثبّتة في مركزها مخطوطة أصلية لبيان السريالية بموازاة عروض سمعية وبصرية تتناول نشأة الحركة وفلسفتها وتطوّرها.

ويستمع الزائر إلى موسيقى تُعزف على بيانو، ومقاطع من نصوص كتبها بريتون وفيليب سوبو وصدرت في كتاب بعنوان "الحقول المغناطيسية"، جرّبا فيه الكتابة الآلية غير المُقيّدة بالعقل، التي أصبحت نموذجاً أوّلياً للكتابة السُّريالية، إلى أن كتب بريتون البيان الثاني عام 1929 وصدر مطبوعاً في السنة التالية، وفيه أعاد تعريف الحركة وغاياتها، ونبَذ كتابات كانت تُعدُّ مؤسّسة للحركة الأشهر في القرن العشرين، ما اعتبره الكثير من النقّاد والدارسين رقابة على الكتابة أدّت إلى انشقاقات واسعة في صفوف السُّرياليين.

يُذكر أنّ المعرض أُقيمت نسخة أُولى منه في بروكسل في تموز/ يوليو الماضي، كما سيقام في مدن أُخرى مستقبلاً مثل مدريد، وهامبورغ في ألمانيا، وفيلادلفيا في الولايات المتحدة، ويضيء تجارب سريالية خارج المراكز الأوروبية سواء في الأميركيّتين أو اليابان وبُلدان أُخرى من آسيا وأفريقيا.
 

آداب وفنون

التحديثات الحية

"أُفق وحَدّ".. الطبيعة في رؤى 28 فنّاناً معاصراً