استمع إلى الملخص
- بعد سماع خبر إطلاق صاروخ باليستي نحو حيفا، قطع الكاتب 180 كيلومتراً من القدس، مستذكراً الطريق الذي يسلكه منذ حرب تموز 2006، حيث حيفا قريبة من لبنان وتلتقط إذاعاته.
- الاقتراب من الخطر يمنح شعوراً مهدئاً، حيث يتشارك الكاتب الخطر مع أعدائه، متأملاً في "الساعة الأكثر ظلمة" التي نعيشها الآن، منتظراً الفجر الذي سيليها.
الفأر لم يقرض سوى أغلفة مجلدات وينستون تشرشل. في الشقّة ما يزيد عن عشرة آلاف كتاب. كلّها سالمة في رفوفها إلا كتب تشرشل (وللأمانة قرض فأرُنا القليل من غلاف مجلد لأوسكار وايلد كان متروكاً على الأرض). هذا من غرائب ما وجدت في حيفا بعد غيبة عام. هل يمكن أن يكون لفأر موقف سياسي، وهل أراد أن يزجرني على الاحتفاظ بالأعمال الكاملة لهذا الاستعماري الشرّير؟ (أعجبني عنوان كتاب طارق علي: "تشرشل.. زمانه وجرائمه"، 2022).
كنتُ لمّا سمعتُ أن صاروخاً بالِيستياً أُطلق نحو حيفا قبل أسبوع، وجدتني بعد ساعتين أقطع المئة وثمانين كيلومتراً التي تفصل بينها وبين القدس. تغيرت السيارات وتغير الشخص الذي يسوقها، وما زال يقطع الطريق نفسه منذ حرب تموز 2006. "صليب طوله 180 كيلومتراً" لا ينفك يشعر ويقول لنفسه. حيفا قريبةٌ جداً من لبنان، ولمّا يكون الجو صافياً تُلتقط إذاعة جارتها صور وأحياناً إذاعة المنار.
للاقتراب من الخطر فعلٌ مهدئ. النوم في شقّة مكشوفة على البحر وليست بعيدة عن الميناء المعرّض للصواريخ له فعل مهدئ. يُفكّر أيضاً في مفارقة أنه يتقاسم الخطر مع أعدائه، بينما روحه تتمزّق بلا توقف بين غزّة وبيروت، وأن هذا أفضل من أن ينام في "مكان آمن". ينظر إلى مجلّدات الاستعماري الإنكليزي ويفكر في عبارة the darkest hour التي ارتبطت به وبالحرب العالمية الثانية من دون أن يكون هو من صكها أو حتى قالها. يُفكر أيضاً أننا الآن نعيش "الساعة الأكثر ظلمة" وأن لا شيء يضاهي الفجر الذي سيليها.