استمع إلى الملخص
- **التوسع والتصنيف الجديد**: ظهور نصوص جديدة بخصائص مغايرة يثير تساؤلات حول إمكانية تصنيفها. التصنيفات الجديدة غالباً ما تكون ضعيفة وتغذي المناقشات اللانهائية، ويجب تعريف النوع من خلال خاصية نصية واحدة أو أكثر.
- **الخلاف بين الناقد والروائي**: يتجلى في مثال غي دي موباسان وروايته "بيير وجان". النقاد انتقدوا الرواية بناءً على حجمها وبنيتها، وموباسان رد بأن الحكم السريع يعكس غياب الكفاءة. يجب أن يكون الناقد غير متحيز ويفهم جميع الاتجاهات.
هل التوسّع الذي تعرفه الأجناس الأدبية يمكن أن يعرفه جنس أدبي بعينه من دون غيره؟ هل الأجناس الأدبية يمكن أن تتوسّع وتفيض إلى ما لا نهاية؟ إنّ التقسيم التقليدي الذي يعمد إليه مؤرّخو الأدب وواضعو الأنطولوجيات المدرسية يمكن أن يُقدّم جزءاً من الجواب؛ جزءاً فقط وليس الجواب كلّه. حسب هذا التصنيف التاريخي هناك ثلاثة أجناس أدبية: الشعر والرواية والمسرح. وفي الشعر تدخل الأصناف الشعرية، وفي الرواية الأصناف السردية، وفي المسرح الأصناف الدرامية. هنا المشكلة الصغيرة المتفرّعة عن الإشكال الأصلي الذي يهمّ أجناس الأدب بشكل كلّي.
ليس من السهل تحديد أسس مثل هذا التصنيف بدقّة، وما هو نطاقه، ومعناه، وما هي حدوده. إنّ مفهوم الجنس الأدبي، وهو عنصرٌ أساسي في الوصف الأدبي، يثير أسئلة نظرية كافية لكي نحاول، قبل وصف الفئات التي يغطّيها، تحديد معناها، وتحديد مجال عملها، والكشف عن صعوباتها.
إنّ كلمة النوع/ الجنس ليست مخصّصة للمجال الجمالي، وليست أيضاً مخصّصة للأدب. إنّه مصطلح في المعجم يشير عموماً إلى الفكرة الأصلية، كما يتّضح من المكافئ اللاتيني الذي أُخذت منه، "جنس"، "أجناسي". فبهذا المعنى استُخدمت الكلمة إلى حدود عصر النهضة، عندما حدّدت تقريباً العِرق، السلالة، الأرومة، الجذع... وهذا هو المعنى أيضاً الذي يحتفظ به المصطلح في العبارة الحديثة "الجنس البشري"، وهو تعبير يُقصد به أنّ يشمل "جميع الناس الذين يُعتبرون مستقلّين عن أي مفهوم للجنس أو العرق أو البلد". يسمح هذا التعريف الأوّلي، الذي يُغطّي ضمنياً فكرة "مجموعة الكائنات"، بتحوُّل دلالي، من منظور أكثر فلسفية، نحو معنى تجميع الأفراد أو الأشياء التي تُقدّم خصائص مشتركة في ما بينها.
يكون كلُّ شيء على ما يُرام إلى حين ظهور تسمية جديدة
نستخلص ممّا سبق عدة عناصر يمكن الاعتماد عليها في وضع أيّ تصنيف وتأمّله في ما بعد، أي في مرحلة ما بعد التصنيف. لكن أهمّ تلك العناصر، التي يمكن أن تصبح معياريةً بقوّة الأشياء، هي فكرة "الخصائص المشتركة"، التي يمكن تسميتها في الأدب "النصوص المشتركة" المتراكمة. تتراكم فيستخرج منها الدارسون قانوناً خاصّاً بها، ومنطقاً داخلياً منسجماً. فبناءً على الوزن والإيقاع والصورة الشعرية نميّز القصيدة، وبناء على السرد والحبكة والحكاية والشخصيات والفضاء نميّز الرواية، وبناءً على الحوار بين الشخصيات والحدث والعرض والعقدة نُميّز المسرحية عن غيرها. لكن هل إذا ظهرت نصوصٌ جديدة مغايرة تخلق قانوناً جديداً، وموضوعات طارئة، هل يحقّ لنا تصنيفها، أو تسميتها، تصنيفاً جديداً؟
الجنس الأدبي هو في النظرية الأدبية ما يمثّله التحقيب الزمني للتاريخ الأدبي. كلا المفهومين مكرّسان في الاستخدام المدرسي: لهذا السبب وبغضّ النظر عن أهمّيتهما الحقيقية، يبدو أنّهما يفرضان نفسيهما بشكل طبيعي في كلّ تفكير في الأدب. لذلك فكلّ تصنيف جديد يغذّي المناقشات اللانهائية. وغالباً ما تكون التصنيفات الجديدة ضعيفة وغير قادرة على السماح لنا برؤية أفضل لما يعارض بشكل أساسي نهج المنظّر الأدبي ونهج المؤرّخ الأدبي على حدّ سواء. ولكن، في جميع الحالات، يجب تعريف النوع من خلال خاصية نصّية واحدة أو أكثر يمكن وصفها (والتي تشير إلى شكل النص أو محتواه أو آثاره العملية).
إذاً، أثناء اقتراح أيّ تسمية جديدة أو تصنيف لا بدّ من مراعاة نهج الرجوع إلى شكل النصّ ومحتواه وآثاره العلمية، حسب اقتراح ألان فايان.
يكون كلُّ شيء على ما يُرام إلى حين ظهور تسمية جديدة. لنأخذ بعين الاعتبار سخرية الأديب الفرنسي غي دي موباسان، تحديداً في مقدّمة روايته الرابعة "بيير وجان" (1988)، وهي مصنّفة كرواية طبيعية، من ظهور تسميات جديدة في الرواية، علماً أنّ روايته تقع في مفترق الطرق بين الرواية الطبيعية والنفسية. رغم أنّ غي دي موباسان غير مسؤول عن تصنيف النقّاد لروايته. إضافة إلى أنّها رواية "حداثية"، إذا أخذنا بعين الاعتبار رغبة مؤلّفها في تقديم واقع روائي موازٍ للواقع الاجتماعي الذي تصفه.
جرت العادة في فرنسا، في زمن دي موباسان أن يُقدّم الروائيون والنقّاد تصوّراتهم حول جنس الرواية مع كلّ رواية تظهر. وحين وُوجه الروائي برأي أحد النقّاد: "أكبر عيب في هذا العمل هو أنّه ليس رواية بالمعنى الدقيق للكلمة"، ردّ بالقول: "أكبر خطأ للكاتب الذي شرّفني بالحُكم عليّ هو أنّه ليس ناقداً".
كلمة النوع ليست مخصّصة للمجال الجمالي، وهي ليست للأدب
ما هذا سوى رجع صدى للخلاف القديم بين الناقد والروائي. لقد رأى الناقد في رواية "بيير وجان" مسألة الحجم فقط، إذ بلغت رواية موباسان 128 صفحة فقط، في زمن صدرت فيه روايات بحجم كبير لـ بلزاك وزولا وفلوبير وغيرهم، فضلاً عن مسألة البنية الداخلية للعمل. يضيف موباسان أنّ الحُكم على الرواية بسرعة بناءً على جانب واحد هو غياب للكفاءة: "هذه رواية وهذه ليست رواية"، يبدو لي أنه يتمتّع ببصيرة تقترب إلى حدّ كبير من غياب الكفاءة".
رأى غي دي موباسان أنّ هذا الناقد قصد بالرواية، بشكل عامّ، مغامرة أكثر أو أقلّ احتمالاً، مرتّبة بالطريقة التي تُرَتَّب بها المسرحية في ثلاثة فصول، أوّلها يحتوي على العرض، والثاني الفعل، والثالث الخاتمة. وهذا النوع من النقّاد، إذا اعتبرناهم كذلك وقوفاً في صفّ موباسان، ينساقون وراء فهم معيّن للرواية. فهمٌ ثابت، مدرسي. وهذا النوع من النقّاد، المتخصّصون في جنس الرواية تحديداً، يملأون الصحف والمجلّات ولجان الجوائز في العالم العربي. الأمر الذي يدعو إلى طرح هذا السؤال: ما هي الخصائص الأساسية للناقد؟ من الضروري أن يشتغل الناقد دون تحيّز، ودون آراء مسبقة، ودون أفكار مدرسية، ودون روابط مع أيّ عائلة/ فئة من الفنّانين، أن يفهم ويميّز ويشرح جميع الاتجاهات الأكثر تناقضاً، والأمزجة الأكثر تناقضاً، ويعترف بأبحاث الفنّ الأكثر تنوّعاً، وبالمغامرات الشجاعة للروايات الاستثنائية.
إنّ طريقة تأليف الروايات المعهودة، والتي يعتاد عليها القرّاء والنقّاد وأساتذة الجامعات، مقبولة تماماً بشرط قبول جميع طرق التأليف الأُخرى على قدم المساواة. هل هناك قواعد معيّنة لكتابة رواية، وخارجها يجب أن يكون للقصّة المكتوبة اسم آخر؟ هذا ما ينبغي أن ينخرط فيه النقّاد والروائيون اليوم. يجب تقديم جواب حاسم. والجواب ليس بنعم أو لا، بل بالدرس والتحليل.
إذا اعتمدنا على القواعد الثابتة، فإنّ "دون كيشوت" رواية و"الأحمر والأسود" شيء آخر. "قصر الشوق" رواية و"اللص والكلاب" شيء آخر. "البحث عن وليد مسعود" رواية و"الغرفة الأخرى" شيء آخر. "موسم الهجرة إلى الشمال" رواية و"عرس الزين" شيء آخر. "أوراق" رواية و"اليتيم" شيء آخر... والأمثلة تمتدّ إلى ما لا نهاية.
* شاعر وروائي ومترجم من المغرب