الرفيق بينارو

04 مارس 2023
سهراب سبهري/ إيران
+ الخط -

الرفيق بينارو صفّى مصنع الجبن الصغير في بيته، وباع الثلاثين من الماعز السلفادوري الأصيل، الذي كان يرعى في حقول تحيط بالبيت، ليجيء البرَّ الأوروبي، على أمل غد أفضل من خبز الذرة ورائحة تعفُّن الجبن. وبعد سنتين من الإقامة في مخيّم بروخم، تساءل عن حقيقة أوروبا. ثم قال إنّها اسم مكان وعلامة للمغامرة الباهتة المتوقّفة، كما لو كانت بقايا لا رجوع عنها منذ انقراض الأمل. تلك القطعة المستديرة من الجبن، اللبن المحتفَظ به، الرائب، الناضج، المرسوم بالنكهات، الأصداء والخيوط الملوّنة، تعادل كلّ القارة البيضاء.

ومثل أجنحة التل، انكسر الرفيق من هول ما شاف. لقد شاهد عمره، الذي يبدأ من شرائح صغيرة، ليصبّ في المجرى الكبير، قد مضى، كآهة، وانقضى.

اللاجئون يمخضون العجائب لأنهم اجتازوا قمماً غير قليلة ولم يتركوا أثراً رائعاً خلفهم. إنّ حكومة بروكسل، تتعامل معهم، مثل الوردة التي تُقشَّر بدقة، شيئاً فشيئاً، في محاولة لكسر أرواحهم، لا لالتقاط العطر وإثارة ذكرى قد تتعهد جوهرةً فريدة.
إنّ قطعة صغيرة من جبن الماعز الأزرق، بكل أوروبا التي لم تفصح عن ذهب.

وسرعان ما لمَّ عزاله وتوجه نحو مورسيا، حيث يحيا ابن عم قديم له هناك.

ولكم اشتاق - وهو مقيم بيننا - نسّاكَ الملاذ العالمي للإقليم، المحاربين من أجل الطبيعة، قائلاً إنّ بلجيكا لم تكن أبداً، على الإطلاق، بصمة حسنة على الجلد اللاتيني.

النجاة من الطوفان المسمّى أوروبياً بمصلحة الهجرة واللجوء

بينارو الذي قد يموت في إسبانيا، ويكون ذلك الشخص التحرُّري الذي لم يعُد من هذا العالم الأصلي.

بينارو البلد: الحضارة، الاشتراك في عمل الخيرات، تسجيل دخول لكل مساعدة، قراءة بعض الكتب عن فن صناعة الجبن، ولم يكن لينسى نصيبه من الدنيا، بعد انتهاء يوم العمل. الفنّ، أفلام، موسيقى، مسرح، الرقص، المزاح مع التاريخ، تأمّل الهندسة المعمارية وحتى الرسوم متحرّكةً ولعبة فيديو والاشتياق حتى لمصارعة الثيران والديوك.

الحلم بجسد التي جعلت من حلمه القديم كلاعب كرة قدم في خط الوسط، ممكناً.

الذي عانى وتعب، مع أنّه آخر ذوقٍ وأدب، للحصول على دليل السلوك البلجيكي، بين ناس لا يضحكون للرغيف السخن.
بينارو الذي سيختتم مهرجان الذلّ في نهاية هذا الأسبوع، متوجّهاً نحو هدفه عبر طرق التهريب، مقابل 200 يورو للمهرّب. الذي هو موقن أنّ إسبانيا، هي الأخرى، ليست بالمنزل الخيري، وأنّ من خرج من داره، يستحقّ كل ما يجري له على أيدي أحفاد عتاة الكولونياليّين. هؤلاء الذين كانوا وما زالوا ينغمسون في أحقر مغامرة هائلة عبرت حكايةَ تاريخ البشرية. بينارو الذي يحنّ إلى الأماكن الجانبية غير الشهيرة على طول وعرض السلفادور.

يحنّ لكل بيت مهجور تتصاعد منه روائح الخبيز والغياب.

بينارو مؤلّف الحنين، وواضع الزهور الجافّة بين صفحات ترجمة معقولة للقرآن.

الذي لا ينوي عبور الأسى عبر العصور، ولكن النجاة من الطوفان التوراتي المسمّى أوروبياً بمصلحة الهجرة واللجوء.


* شاعر من فلسطين مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون