ضمن مشروع "التحول الديمقراطي ومراحل الانتقال في البلدان العربية" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر كتاب "الدساتير والانتقال الديمقراطي: قضايا وإشكالات في سياق الربيع العربي"، الذي يضمّ عشرين دراسة لباحثين من المغرب وسورية وقطر وفلسطين وتونس والجزائر والسودان ومصر.
يندرج الإصدار في سلسلة "دراسات التحوّل الديمقراطي" التي تُنشر عن المشروع، الذي دشّنه "المركز العربي" عام 2016 في "إطار رسالته الداعمة للجهود البحثية في قضايا تطور المجتمعات العربية وتحولاتها نحو الوحدة والديمقراطية، فضلًا عن قضايا الحكم الرشيد، وإدارة شؤون المجتمع، والمواطنة، والمشاركة السياسية، والتطور الدستوري، والتنمية والعدالة الاجتماعية، والاقتصاد السياسي"، بحسب بيانه الصحافي.
وشارك في تأليف الكتاب كل من الباحثين أحمد إدعلي، وأحمد قاسم حسين، وحسن عبد الرحيم البوهاشم، ورشاد توام، والسيد عمر احرشان، وشاكر الحوكي، وعباس عمار، وعبد اللطيف المتدين، وعبد الوهاب الأفندي، وعمر البوبكري، وكمال جعلاب، ومحمد أتركين، ومحمد أحمد بنيس، ومحمد باسك منار، ومحمد حلمي عبد الوهاب، ومحمد المساوي، ومحمد نعيمي، ومروة فكري، ومسلم بابا عربي، ونضال المكي، وحرّره عبد الفتاح ماضي وعبده موسى البرماوي.
تتمحور دراسات الكتاب حول مواضيع الديمقراطية والانتقال الديمقراطي وإشكالات الربيع العربي
ويشير بيان المركز إلى أن الدستور يعدّ أهم أركان الحكم، فهو يُحدد طبيعة النظام السياسي، إلا أن الممارسة السياسية شهدت تفاوتًا بيِّنًا في احترام الدساتير، من دول تحترمُ دساتيرها إلى حدّ التقديس، إلى أخرى لا يُمثّل فيها الدستور قيمة الحبر الذي كُتب به، كما في أنظمة الحكم الفردية والديكتاتورية. وفي أعقاب موجات التحول الديمقراطي في العالم، تصاعد في سبعينيات القرن العشرين الاهتمام بدستورية عمليات الانتقال الديمقراطي، وشهد عقدا الثمانينيات والتسعينيات بداية اهتمام دول أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا بصنع دساتير جديدة أو إدخال تعديلات جوهرية في دساتير دول ديمقراطية أصلًا، مثل بلجيكا وكندا وهولندا والسويد وسويسرا وإنكلترا. وفي أعقاب ثورات البلاد العربية التي لم تشهد قط دساتير ديمقراطية منذ استقلالها، امتد هذا الاهتمام إلى المنطقة العربية.
ويوضّح أن أركان الدستور الديمقراطي تتمثّل في مبادئ لا يكون الدستور ديمقراطيًّا إلا بها؛ وضمانات لبقائه ديمقراطيًّا وملتزمًا بقواعده وإنفاذِها؛ وقواعد كلية تضبط جُزْئياته. وهذه الأركان الثلاثة لا يمكن في غيابها اعتبار الدساتير ديمقراطية، كما يمكن استنادًا إليها التفرقة بين الدساتير الديمقراطية في السويد وإنكلترا وجنوب أفريقيا، وغير الديمقراطية في دول مثل الكونغو الديمقراطية والصين والفيدرالية الروسية. ذهب عزمي بشارة إلى أن الدستور الديمقراطي يستحق وحده تسمية دستور؛ لأن ضمانات تنفيذه وإخضاع عملية التشريع له متضمَّنة فيه، عبر الإجماع على احترام الدستور وتبني قيم الديمقراطية، موضحًا أن في هذا يكمن الفرق بين تقبُّل قيم الديمقراطية ولو لم تكن دستورًا مكتوبًا، وبين ضمانات مفروضة من إرادة الحاكم أو الحزب أو السلالة.
كما ينبّه إلى أن عملية وضع دستور ديمقراطي تعدّ مسألة شائكة؛ لتعقُّد العمليات المتصلة بها، فهي في الأساس جزءٌ من عملية التغيير السياسي، وتعكس ميزان القوى القائم، كما تتأثر بحالتَي الاستقرار أو اللااستقرار، وفي بعض البلدان، يكون للأطراف الخارجية دور مؤثر فيها. وبناءً عليه، إنها ليست مسألة قانونية، أو مجرد نقل من الآخرين، أو اختيارَ نظامٍ من بين أنظمة الحكم المعروفة، بل تبدأ من الواقع السياسي والاقتصادي للمجتمع، ومن أولويات المرحلة، وتنهل من الإرث الدستوري للدولة ومن تجارب الآخرين، وتنتهي بمنح السياسيين والنخب اختيارات محددة لترجمة المطالب المجتمعية إلى مؤسسات تشكل مجتمعةً ملامح النظام السياسي المنشود، في ما يسمى "الهندسة السياسية".
ويلفت أيضاً إلى أن من وظائف الدستور الديمقراطي تحديد طبيعة المؤسستين التشريعية والتنفيذية وخصائصهما وهياكلهما وطرائق انتخاب أعضائهما وطرائق صنع القرارات فيهما، وتحديد الفصل بين السلطات، وطرائق المشاركة السياسية، ومعنى المواطنة، وتبيين الحقوق والحريات، وشكل النظام السياسي الديمقراطي (البرلماني أو الرئاسي أو المختلط)، وشكل البرلمان (من غرفة واحدة أو غرفتين)، والضمانات للفصل بين السلطات واستقلال مؤسسة القضاء والأجهزة الرقابية، وتحديد شكل الدولة (مركزية أو فيدرالية)، ونظام الإدارة فيها، وتحديد عمل المؤسسات السياسية وضمان عدم تجاوز أجهزتها مهامها، وتحديد آليات المساءلة المختلفة، وحق المواطنين في محاسبة المسؤولين. وكذلك تحديد معالم العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة، وحقوق المواطنة وضمانات احترامها للأغلبية والأقليات على السواء، وتطبيق ما نصت عليه المنظومة الحقوقية الدولية في ما يخص حريات الأفراد والجماعات، كما في دساتير فرنسا وألمانيا والأرجنتين وغيرها. ومن وظائفه أنه يعزِّز بأطره القانونية والقضائية والرقابية والمجتمعية السلم الأهلي والمجتمعي، ولا سيما في الدول التي خرجت من صراعات مسلحة، أو انتقلت من حكم تسلّطي شمولي إلى الديمقراطية، وأن يدير بهذه الأطر عدم الثقة المتبادلة بين الفاعلين السياسيين ويدفعهم إلى التقيد بالطرائق السلمية في التعامل مع الآخر لأجل توليد الثقة بين مكونات المجتمع، وهي ثقة لا تُكَرَّس وتصبح تامة إلا بعد سنوات من ترسيخ الممارسات وتكرارها، وكذلك إيجاد هوية جامعة تعمل على منع حدوث أزمات نتيجة اختلاف الدين والعرق واللغة والمذهب والمكانة الاجتماعية والاقتصادية من دون القضاء على الهُويات الفرعية، باحترام الخصوصيات الثقافية للمكونات المجتمعية وترسيخ قيم التعايش والتعددية في إطار المواطنة الكاملة ودولة المؤسسات وضمان العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الأجور والدخول.