تناقل ناشطون سودانيون على وسائل التواصُل الاجتماعي خلال اليومَين الماضيَين، خبر احتراق "الدار السودانية للكتاب" في الخرطوم على يد ميليشيا قوّات الدعم السريع، والتي سبق لها أن خرّبت الكثير من المقارّ والفضاءات الثقافية في البلاد.
شاع الخبر بدايةً من منشور على فيسبوك، لابنة مؤسّس الدار، سعاد عبد الرحيم مكاوي، وممّا جاء فيه: "أبي أبعثُ إليك رسالة وأنت بين يدي الله، وأقولُ لك إنّ ما قمتَ بتأسيسه في عقود من الجهد والبذل والتفكير، قد تمّ حرقُه في لحظات، لقد لطف الله بكَ إذ لم تكُن في هذه الدنيا عندما حدث هذا، وهذا الخراب الشامل لكلّ مكتبات الخرطوم".
وسرعان ما تفاعل عددٌ كبير من الكُتّاب والمثقّفين مع الخبر، ولو أنّ الصور المُرفَقة لم تكن تُظهِر أيّ حريق للمكان المقصود، إنما جاء التفاعُل معها، لإدراكٍ مُسبَق بأنّ للمليشيات المسلّحة قدرة على ارتكاب مثل هذه الجرائم، أو بالأحرى تملك قابلية لارتكابها، ومن هنا جاء الربط بين مضمون المنشور وبين أصحاب أسبقيات كالدعم السريع.
وذكَّر المتفاعلون مع الخبر، بالقيمة الوطنية لهذا المَعْلم، الذي ساهم منذ تأسيسه عام 1969، على يد عبد الرحيم مكّاوي (1937 - 2021)، برفد الحركة الثقافية السودانية، في حين تمنّى آخرون أن يكون الخبر غير صحيح، كما كتب الناشط حسن يحيى: "أتمنى أن تكون هذه الأخبار غير صحيحة، ولكنّني لا أستبعد القيام بأشياء كهذه، فمن قام بحرق 'دار الوثائق القومية'، ونَهَب 'المتحف القومي'، يسهُل عليه إلحاق 'الدار السودانية للكتب' بأخواتها من معالم الفكر والثقافة والتاريخ".
وصبيحة أمس، خرج أحد عناصر هذه المجموعة المُسلّحة، في تسجيل مرئيٍّ مدّته دقيقتان، من داخل أحد أروقة "الدار السودانية للكتاب"، وهو يرتدي زيَّه الحربي، لينفي ما وصفه بـ"الإشاعة المتداولة"، وليؤكّد أنّ الدار سليمة من الداخل والخارج. مع ذلك فإنّ هذا التسجيل، وإنْ نفى وقوع الحادثة بمعناها المُباشر، فإنّه لا ينفي ما ثبُت على هذه المجموعة المُسلّحة من تدمير وتخريب لمعالِم أُخرى، فضلاً عن سياقه الدعائي الواضح.
وتشهد البلاد اشتباكاتٍ وأعمال عنف، نتيجة الصراع المُسلّح بين الجيش وقوّات الدعم السريع، الذي اندلع منذ الخامس عشر من نيسان/ إبريل الماضي. وعلى مدار الأشهر الثلاثة الماضية، تعرّض القطاع الثقافي لخسائر كبيرة، حيث جرى تدمير مكتبات وفضاءات ثقافية مُختلفة في عموم السودان، منها: "مكتبة جامعة نيالا"، وفضاء "رتينة" في الخرطوم، ومركزاً للأبحاث تابعاً لـ"جامعة أم درمان الأهلية".