هل يُمكن لعدوِّ عدوّك أن يُصبح حليفاً حقّاً؟ وماذا لو كان هذا "العدوّ" هو النازية أو الفاشية؟ فصلٌ من قصّة فلسطين المحتلّة لم يتمّ تأطيره كما ينبغي، يتمثّل في العصابة الصهيونية التي سعت للتحالف مع ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية رغم الاضطهاد المُمنهج من الأخيرتين، في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته، ليهود أوروبا.
"شتيرن: الرجل، العصابة، والدولة" عنوان الشريط الذي بثّته "الجزيرة الوثائقية" في الخامس من آذار/ مارس الجاري، ويتناول قصّة العصابة الصهيونية "ليحي" ومتزعّمها المُجرم أبراهام شتيرن، وتاريخها الإجرامي الذي يُستعاد اليوم - من غير أن يعني أنه انقطع - على أرض غزّة.
تحدّث في الشريط المؤرّخ إيلان بابيه، الذي أشار إلى أنّ "مجموعة صهيونية داخل 'عصابة الهاغاناه' آمنت أنّ بريطانيا هي العدوّ الفعلي لها، ومن بين هؤلاء كان أبراهام شتيرن الذي بدأ مع عصابته المُسمّاة 'ليحي' بالسطو على ممتلكات الشعب الفلسطيني". وكذلك الباحث الأميركي توماس سواريز، صاحب كتاب "دولة الإرهاب: كيف قامت إسرائيل على الإرهاب" (2016)، الذي قال إنّ شتيرن هو أحد أخطر وجوه الإرهاب العالمي في القرن العشرين. ومن ناحيته، رأى الناشط المُناهض للصهيونية، طوني غرينشتاين، أنّ التحالف مع النازيّة كان قائماً بوضوح، خصوصاً على المستوى التجاري من خلال عدد من الاتفاقيات. ويُظهر الشريط أنّ المراسلات كانت قائمة مع النازيّين من خلال "السفارة الألمانية" في بيروت.
اعتبر الصهاينة الفاشيّة أداةً لتهجير يهود أوروبا إلى فلسطين بالقوّة
ويذهب بابيه إلى أنّ "معاداة الساميّة التي تأسّست عليها النازية، كانت معروفة عند هذه الأوساط الصهيونية، ولم يكن الأمر مجهولاً لهم، لكنّ ذلك لم يردعهم على الإطلاق، ورأوا فيه أداةً لتحقيق غايتهم باستكمال تهجير اليهود من أوروبا. فضلاً عن هذا، لا يُمكن إنكار تأثّر شخصيات مثل بن غوريون بالأيديولوجيا الفاشيّة". وعلى هذا الأساس عُقدت "اتفاقية القدس" بين شتيرن والفاشيّين بإيطاليا، وفقاً لسواريز، والتي سعت العصابة من خلالها إلى أن يكون الفاشيّون الأداة التنفيذية لتهجير يهود أوروبا إلى فلسطين بالقوّة.
يُضيء الشريط أيضاً على العمليات الإرهابية التي نفّذتها العصابة، وأبرزها نسف السرايا القديمة في حيفا في الرابع من نيسان/ إبريل 1948، و"مجزرة دير ياسين"، البلدة الواقعة قرب القدس، والتي ارتُكبت بعد ذلك التاريخ بخمسة أيام، حيث قُتل أكثر من 360 فلسطينياً أغلبهم من النساء والأطفال، ويعدّها الباحثون عاملاً تأسيسيّاً للإبادة الجماعية والتطهير العِرقي في فلسطين.
وفي هذا السياق، يفنّد بابيه، صاحب كتاب "التطهير العِرقي في فلسطين" (2006)، الدعاية الصهيونية، مُبيّناً أنّ "الجيوش العربية تدخّلت في الخامس عشر من أيار/ مايو 1948، من أجل وقف التطهير العِرقي الذي أدّى إلى إخلاء آلاف القرى، وتهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني".
ويعلّق سواريز على هذا بأنّ "الصهاينة لم يكتفوا بسرقة فلسطين من أهلها فحسب، بل نقلوا العقيدة النازية منهجياً، مِمَّن كانوا ضحايا للمحرقة، وطبّقوها ضدّ الشعب الفلسطيني"، ويختم بابيه الوثائقي بالقول: "يستحيل أن تكون هناك دولة مع أو للصهيونية، فالأخيرة لا تقود إلّا إلى شيء وحيد: العصابة".