الحرائق النرجسيّة

04 يونيو 2021
تفصيل منن عمل لـ فرانسيس بيكابيا
+ الخط -

شاسعة ومعتِمة هي تلك المساحات في عالمنا الداخليّ التي لا يطؤها وعيُنا ولا تمتثل لإرادتنا ولكوابح سلوكنا الحضاري "المعقول". حذّرنا يونغ، المحلّل النفسي السويسري، دون كلل، من أنّ "كلّنا يحمل ظلّاً، وكلّما كان (ذاك الظلّ) أقلّ تجسّداً في الحياة الواعية للأفراد، كلّما كان أشدّ اسوداداً وكثافة" وضراوة. في حين أخبرنا فرويد، بتشاؤمٍ خلّاق، أن "الأنا ليست سيّدةً في بيتها".

ليس بوسع الأنا أن تبسط سلطانَها في كافة أرجاء المملكة النفسية لكلّ منّا. يرعبُنا أن نكتشفَ مجاهيلَ أنفسِنا وأعماقها العصيّة على السبْر. لذا نشيحُ النظر عنها وعمّا قد تخبّئه لنا من انهيارات إدراكيّة واستدلاليّة محتملة لا طاقة لنا بها. بؤرٌ من عصيان وتمرّد قد تندلع في كلّ حين. انفجاراتٌ ذُهانية قد يعلو هديرُها دون سابق إنذار. حرائق نرجسيّة قد تأتي على الأخضر واليابس في ذواتنا وفي علاقاتنا مع الآخر ومع العالم.

وهذا ما يخيفنا: الوحش الرابض في اللاوعي، دون القدرة على التنبّؤ بلحظة انقضاضه على قدرتنا على التفكير والاحتواء وتقبّل الاختلاف. لا حماية مطلقة من الجنون. ولا حصانة من تفكّك لحظيّ أو دائم للجهاز النفسيّ الذي رغم مناعة بنيانِه يظلّ هشّاً لِما يمور في طبقاتهِ التحتيّة من براكين دوافعيّة وعاطفيّة لا تخمد.

يوفّر العلاج النفسيّ أدواتٍ لاستكشاف اللاوعي والتبصّر بالظلال كطريقة لتحقيق توازن أرقى وأقوى. لكنّ سيرورة الشفاء مؤلمة وتظلّ غير منتهية ومشروطة بصيانة دائمة، وقد تتعثّر. لا سيّما عندما يتحوّل العصاب النرجسيّ لبُنية نفسيّة جماعيّة مشتركة لأفراد يتبارَون في تأسيس هويّاتهم على جرح أو جوع نرجسيّ لا يهدأ، لتفخيم وتبجيل فرادتهم ومآثرهم.


* شاعر واختصاصي نفسي عِيادي من فلسطين

موقف
التحديثات الحية
المساهمون