بعدما عاشت تونس فترة طويلة من إجراءات الوقاية من انتشار فيروس كورونا في موجته الثالثة، كان يفترض أن تكون نهاية الحجر الصحّي (أوّل من أمس الإثنين) فرصةً لعودة الدماء إلى شرايين الحياة الثقافية. لكن، لا يبدو الأمر كذلك بالمرّة، إذ إنّ نهاية الإجراءات لم يرافقها استئناف العروض أو الندوات أو أيّ شكل ملموس من أشكال النشاط الثقافي. حتى قاعات السينما عادت بنفس أفّيشات أفلام الشهر الماضي.
علينا أن نربط ما يحدث خلال هذه العودة المنقوصة مع موجات الاحتجاج التي تتعالى عبر منصّات التواصل، غالباً، عند كل إعلان حكومي بفرض إجراءات غلق على الفضاءات العامة، تكون من بينها الفضاءات الثقافية، وقد تصل هذه الاحتجاجات إلى أشكال تصعيد مثل الاعتصامات أمام مؤسّسات وزارة الثقافة.
لكنّ ما حدث هذه المرّة من غيابٍ لكلّ مظاهر عودة الحياة الثقافية يمكن أن يقودنا إلى خلاصات جديدة، وهو أنّ معظم البيئة الفنية في تونس قد تراخت مع التقطّع الذي شهدته البلاد، وتأجيل معظم التظاهرات الكبرى، وهذه الأخيرة كانت تمثّل المحرّكات الأساسية للمشهد الثقافي، مثل "أيام قرطاج المسرحية" خريفَ كل عام، و"معرض الكتاب الدولي" في الربيع.
تأكيد تنظيم المعرض الوطني للكتاب نقطةُ الضوء الوحيدة في المشهد
هناك أسباب أخرى يمكن أن تفسّر هذا الزهد في استئناف الحياة الثقافية، مثل موافقة نهاية الحجر لفترة العيد ورمضان، وهي مناسبات تنهك عادةً الأسر التونسية، مادّياً وبدنياً، ولا شك أن معظم الفنانين يدخلون هم أيضاً دوّامة الأعياد هذه. كما يوافق إعلان نهاية الحجر الصحّي منتصف مايو/ أيار، وهي فترة تُقابل عادةً نهاية الموسم الثقافي، قبل الاستعداد للمهرجانات الصيفية ثم للعودة الثقافية في سبتمبر/ أيلول.
يمكن أن نربط عدم استئناف الحياة الثقافية مع تغيّرٍ في خطاب القطاعات الفنية تجاه سياسات الدولة في تعاطيها مع كورونا، فقد انتقلت المطالب بشكل واضح، منذ أشهر، من حملاتٍ تدعو إلى فتح فضاءات العرض إلى مطالب بمساعدات مادية من وزارة الثقافة تحمي الفنّانين من فترة التوقّف الطويلة، أسوةً بإجراءات مماثلة في فرنسا وغيرها من البلدان.
هناك نقطة ضوء وحيدة في نفق "الخمود" الثقافي التونسي خلال الأسبوع الأوّل من نهاية الحجر، وتتمثّل في التأكيد على تنظيم "المعرض الوطني للكتاب" في موعده (بين 29 مايو/ أيار و9 يونيو/ حزيران 2021) بعدما انتشرت إشاعات كثيرة حول تأجيله. ولعلّ عدم تأجيل هذا المعرض يمثّل اليوم بؤرة الحياة الثقافية، حيث تروّج إعلانات دور النشر لإصدارات جديدة سيجري تقديمها خلال المعرض بعد أيّام.
أخيراً، لنا أن نلاحظ عدم استثمار الأدوات الافتراضية خلال فترة الحجر الصحّي وإغلاقات قاعات العرض، وطبعاً لم يعد ثمّة معنىً لاستعمالها اليوم مع نهاية الإجراءات الوقائية. في المحصّلة، يبدو الحجر الصحّي مستمرّاً بالنسبة إلى الحياة الثقافية في تونس، رغم إعلان انتهائه.