- ساهم في الأدب والسينما بأعمال متنوعة، بما في ذلك الشعر والمسرح وكتابة السيناريو لأفلام مع المخرج أمير كوستوريتسا. أعماله تحتفي بالتسامح والتعددية الثقافية بعد الحرب.
- تُرجمت أعماله للغات عالمية وحصل على جوائز مرموقة، مؤكدةً تأثيره في الأدب العالمي. وفاته تركت إرثًا يحتفي بالثقافة البوسنية ويُلهم الأجيال القادمة.
نعت الصحف البوسنية الكاتب والشاعر ومؤلّف الأفلام عبد الله سيدران، الذي غادر عالمنا، السبت الماضي، عن ثمانين عاماً، بعد صراع مع المرض استمرّ عدة شهور، وهو الاسم المخضرم الذي اشتُهر في يوغسلافيا السابقة ولم يتخلّ عن البوسنة خلال السنوات الصعبة من الحرب (1992 - 1995)، وهو الذي حرص في أعماله الشعرية والنثرية على تمثيل غناها التاريخي وتعدُّدها الإثني والثقافي.
وُلد عبد الله سيدران في سراييفو عام 1944، لأب يعمل في ورشة للقطارات، حيث درس وتابع تعليمه في "جامعة سراييفو" قبل ان يتخرّج من قسم الآداب اليوغسلافية. ظهرت موهبته الأدبية مُبكّراً حيث أخذ ينشر أشعاره في الستينيات بينما ظهرت أول مجموعة شعرية له "شهبازا" عام 1970، ليُعدّ بذلك من جيل الستينيات الذي ترافق مع تحوّل يوغسلافيا التيتوية بعد 1966 نحو مزيد من الليبرالية في الأدب والاقتصاد والمجتمع.
في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين غدا سيدران اسماً معروفاً بعد نَشْر مجموعاته الشعريّة والمسرحيّة "عَظْمٌ ولَحْم"(1976)، و"مجموعة سراييفو" (1979)، و"مرض الروح" (1988)، وخاصة بعد أن برز في كتابة السيناريوهات لبعض نصوصه النثرية التي تحوّلت إلى فيلمين مشهورين بالتعاون مع المخرج البوسني أمير كوستوريتسا: "هل تتذكّر دوللي بيل؟" (1981)، و"أبي مسافر في مهمّة عمل" (1985)، اللذان فازا بجوائز يوغسلافية وأوروبية.
تجربة أدبية وإنسانية شهدت حصار البوسنة ونهوضها بعد الحرب
في غضون ذلك، انتقل سيدران للعمل ككاتب للدراما في "تلفزيون سراييفو" حتى 1992، حين بدأ حصار سراييفو وتعرُّضها للقصف المتواصل من قبل القوّات الصربية. مع ذلك فقد ألهمته سنوات الحصار والحرب، التي هدفت إلى استئصال الهوية البُشناقية، التشبُّثَ بسراييفو لما لها من رمزية وإبداع، كما نشر أشعاره خلال الحرب بعنوان "تابوت سراييفو" (1993)، التي تُرجِمت إلى عدّة لُغات ونالت "جائزة جمعيّة القلم الفرنسية".
بعد الحرب تابع سيدران نشر أعماله الشعرية والمسرحية، مثل "لماذا تغوص البندقية" (1996)، و"مجموعة سراييفو" (1997)، و"في ترافنيك تركتُ قلبي" (2002)، وغيرها التي عبَّرت عن روح البوسنة التي حلّقت ثانية بعد أن نجت، وبالتحديد روح البوسنة التي عُرفت بالتسامح والتعدُّدية الإثنية والثقافية حتى أنها شهدت أكبر نسبة للزواج المختلَط في يوغسلافيا التيتوية. ولذلك قال عنه صديقه المُستعرِب أسعد دوراكوفيتش في نعوته إنه "كان شاهداً على عصره وسيبقى حيّاً في اللغة وفي أعماله الكبرى".
بسبب تجربة سيدران الثريّة تُرجمت أعماله إلى العديد من لغات العالم كالفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية والسويدية والبولونية والتشيكية وغيرها، بينما صدرت له في العربية مجموعته الشعرية "دموع أمّهات سراييفو" عام 2009 بتوقيع المستعرب البوسني ناركو كارامان. وقد حظيت أعماله منذ 1979 بجوائز عديدة، حين حصل على "الجائزة السنوية لرابطة الكتّاب في البوسنة والهرسك"، و"جائزة زماي" المعروفة على المستوى اليوغسلافي عام 1980، ثم "جائزة حرية التعبير الأميركية" (1993)، و"جائزة جمعيّة القلم الفرنسية" (1993)، و"جائزة المختبر المتوسطي" (1996)، و"جائزة إمبرتو سابا" (2005)، الإيطاليّتين. وكان من اللّافت حصولُه على "الجائزة الذهبية لمهرجان بولا السينمائي" اليوغسلافي عن الأفلام الثلاثة التي اشتهرت خارج يوغسلافيا: "هل تتذكّر دوللي بيل؟"، و"أبي مسافر في مهمّة رسمية"، و"كودوز".
كانت هذه الأفلام الناجحة بفضل السيناريو الذي كتبه سيدران والإخراج الذي قام به أمير كوستاريتسا تُعبّر عن خصوصية البوسنة وعن الصداقة التي ربطت آنذاك بين الاثنين في سراييفو. ولكن الحرب في البوسنة (1992 - 1995)، أفرزت كغيرها ما لدى البشر من نزعات متضادّة، حيث افترق الصديقان بعدها كلٌّ في اتجاه. فقد حافظ سيدران على مسيرته الإبداعية التي بقيت مرتبطة بروح البوسنة التي نجت من الحصار والحرب الدموية، بينما فاجأ كوستوريتسا معارفه بتغيير دينه واسمه (نيمانيا كوستوريتسا) لينضم إلى جمهورية الصرب في البوسنة، حيث أقام هناك مدينة سينمائية باسم "أندريتش غراد" لتصوير فيلم عن رواية "جسر على نهر درينا" لإيفو أندريتش.
ويبدو أن هذا الانتقال الذي فاجأ صديقه عبد الله سيدران دفعه إلى البحث عن جذوره والكشف عنه في كتاب بعنوان "سيدران: العيش والشهادة على العصر"، صدر العام الماضي، وهو عبارة عن حوارات معه أجراها الكاتب رجدي أجوفيتش. ففي هذا الكتاب كشف سيدران عن أنّ مراد كوستوريتسا والد صديقه أمير كان يعمل سرّاً في جهاز المخابرات، بينما كان أمير يقول عن والده إنه كان صحافيّاً، في حين أن سيدران يكشف في هذا الكتاب أنه لا يوجد مقال باسم والد المخرج سواء في الصحافة البوسنية أو اليوغسلافية.
رحل سيدران، الذي انتُخب عضواً في "أكاديمية العلوم والفنون" بالبوسنة تقديراً لأعماله الأدبية التي حملت روح بلاده، سواء في لغتها أو في لُغات العالَم التي تُرجمت إليها، ولعل هذه الروح هي ما سيبقي أعماله حيّةً كما قال عنه صديقه أسعد دوراكوفيتش.