يحتضن "غاليري سالت بيوغلو" في إسطنبول منذ منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي معرض "بين الإمبراطوريات، ما وراء الحدود.. سنوات الحرب والهدنة عبر عيون عائلة كوب"، والذي سيتواصل حتى الرابع عشر من آذار/ مارس المقبل.
يعود المنظّمون إلى أرشيف أنطوان كوب (1897 – 1974) المولود لأب هنغاري وأم فرنسي في مدينة إسطنبول، حيث كان والده يعمل في "البنك العثماني"، وعند إعلان الحرب العالمية الأولى جُنّد في صفوف جيش الإمبراطورية النمساوية المجربة (حليفة العثمانيين)، وأُرسل إلى فلسطين وشهد هناك الأحداث التي قادت إلى تقاسم المنطقة بين استعمارين فرنسي وبريطاني.
تكتسب أهمية الوثائق والصور التي تمتلكها عائلة كوب من كونها تغطّي أحداثاً تمتدّ من الدستورية الثانية مع قيام بعض الإصلاحات داخل الدولة العثمانية، مروراً بسنوات الحرب الكونية وفترة الهدنة التي تلتها وما أنتجته من تغيّرات كبرى، من منظور أُسرة أوروبية فضّلت البقاء في تركيا الحديثة والعمل فيها حتى سيتينات القرن الماضي، إذ هاجرت إلى الولايات المتحدة.
احتفظ أفراد العائلة بأرشيفهم بعناية، وهو يضيء معالم التاريخ السياسي والاجتماعي والدبلوماسي في مدن تقع اليوم داخل حدود هنغاريا واليونان وتركيا أيضاً، بدءاً من أندراس (والد أنطوان) الذي هرب من مدينته الهنغارية المحافظة إلى إسطنبول التي كانت عاصمة كوزموبوليتية منفتحة، وهناك تزوّج ليوكادي عام 1842 وأنجب ولدين، أحدهما تشارلز الذي تُعرض رسائل منه إلى والديه، وكان قد تزوج من امرأة سورية إيطالية وأنجب منها ستّة أبناء.
يقدّم المعرض مذكرات أنطوان التي تتكوّن من عدّة مجلدات من الرسوم الكاريكاتورية، وكذلك التسجيلات المرئية والمسموعة، إضافة إلى مجموعة مختارة من مئات الصور التي التقطها شقيقه تيب، ويمكن من خلالها استكشاف انعكاس العلاقات بين الإمبراطوريتين العثمانية والنمساوية المجرية على الحياة اليومية فيهما، ويلفت هذا الأرشيف الضخم إلى مسألة تغيّر الهويات وتنقّل أماكن العيش وعدم اليقين حيال الحدود، والانتقال من الإمبراطورية إلى الدولة القومية.
يضمّ المعرض رسوماً كاريكاتيرية لأنطوان يظهر فيه رجالٌ يرتدون الزي العسكري، ومنها حارس ينتظر عند باب ثكنة في إسطنبول بأسلوب ساخر، كما رسم عام 1915 القائد العسكري الألماني بول فون هيندنبورغ، الذي سيصبح لاحقاً رئيساً لبلاده.
تعكس الوثائق سلوك عائلة متعدّدة الثقافات والأعراق تعيش حياة جيدة حيث كان يعمل أنطوان في التعدين بالبحر الأسود، لكن لا يبدو أن التعدّد لدى العائلة كان واضحاً في التعبير عن الذات والهوية، وربما يكون موضوعاً للاستكشاف اليوم بعد أن انهارت الإمبراطوريات ورُسمت الحدود التي لم تكن معرّفة بالشكل الكافي في نظر عائلة كوب آنذاك.