في خضمّ جدلٍ إعلامي وسياسي تعيشه الجزائر حالياً حول شخصية الأمير عبد القادر الجزائري (1808 - 1883)، الذي يُوصَف بمؤسّس الدولة الجزائرية الحديثة، أطلّت وزيرة الثقافة، مليكة بن دودة، بتصريحٍ قالت فيه إن وزارتها تُفكّر في إعادة بعث مشروع الفيلم السينمائي الذي يتناول سيرة الأمير.
انطلق مشروع الفيلم قبل أكثر من عشر سنوات، جرى خلالها الحديثُ عن عدّة أسماء جزائرية وأجنبية مِن كتّاب سيناريو ومخرجين ومنتجِين وممثّلين، باعتبار أنَّهم سيتولّون إنجازه أو يشاركون فيه. لكنّ المشروع ظلّ مجرَّد حبرٍ على ورق (ليس مؤكّداً أنَّ ثمّة حبراً وورقاً في هذه حالة الفيلم)، رغم أنّه حظي بـ"رعاية شخصية" مِن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ورغم أنّه استهلك - بحسب أرقام غير رسمية - قرابة 12 مليون دولار أميركي، في واحدةٍ مِن أكبر قضايا الفساد في تاريخ القطاع السينمائي.
ومثلما ظلّ المسؤولون عن القطاع الثقافي يُردّدون طيلة سنوات أنّه "أضخم عملٍ سينمائي في تاريخ الجزائر"، لم تتردَّد بن دودة، التي يُفتَرض أنّها تقضي آخر أيامها في وزارة الثقافة (يُنتظَر الإعلان عن حكومةٍ جديدة في الأيام أو الساعات القادمة)، مِن القول، بنبرةٍ واثقة، إنَّ الفيلم "سيكونُ في مستوى شخصية الأمير"، قبل أن تُضيف أنَّ العمل سيعتمد على نصٍّ جديد ومنتِجين آخرين، وهو ما يعني أنَّ المشروعَ سيُعاد إلى نقطة الصفر، دون توضيح مصير النصوص الأولى التي يُفتَرض أن يعتمد عليها العمل، أو تبيانُ أوجُه صرف المبالغ المالية الكبيرة مِن دون تصوير مشهدٍ واحد.
ولا يزال المشروعُ، الذي شكّل موضوعاً لأسئلةٍ عددٍ من البرلمانيّين الجزائريّين كما حدث في 2018، محلَّ تحقيقاتٍ قضائية إلى اليوم، مِن دون أن تُسفر عن سجن مسؤولٍ واحد، على خلاف ما حدث في قضايا الفساد في قطاعاتٍ أُخرى.
ما لم يتحقَّق في زمن البحبوحة المالية لن يسهل تحقيقُه اليوم
ربّما ليس علينا أنْ نأخُذ وعود الوزيرة على محمل الجدّ لسببَين على الأقل: أوّلهُما هو احتمالية مغادرتها منصبَها مع أعضاء الحكومة الحاليةِ (أصبحت حكومة تسيير أعمال بعد تقديم استقالتها الخميس الماضي) في غضون ساعات معدودة. أمّا الثاني، فيتعلَّق بالوضع الاقتصادي غير المريح، الذي تعيشُه، ليس وزارة الثقافة فحسب، بل البلادُ برمّتها، منذُ تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية قبل قرابة سبع سنوات. ولا شكَّ أنَّ ما لم يتحقَّق في زمن البحبوحة المالية لن يسهل تحقيقه في زمن الأزمة الاقتصادية.
وفي هذه الحالة، يُمكن الاكتفاء بالنظر إلى حديث الوزيرة الجزائرية على أنّه موجَّهٌ للاستهلاك الإعلامي، في غمار الجدل الذي أثارته تصريحاتُ النائبٍ البرلماني السابق، نور الدين آيت حمودة، لقناةٍ تلفزيونية، اتَّهم فيها الأمير عبد القادر وعائلته بالخيانة والعمالة للاستعمار الفرنسي، ما أثار ردود فعلٍ واسعة، وصلت إلى إغلاق السلطات القناةَ بشكل مؤقَّت ورفع دعاوى قضائية ضدّ النائب الذي عمدت السلطات إلى توقيفه أمس السبت.