بعناوين تقليدية مستهلكة، ذهبت وزارة الثقافة لتمثيل المشاركة الأردنية؛ الرسمية والشعبية، كضيف شرف الدورة الرابعة والخمسين من "معرض القاهرة الدولي للكتاب" التي أقيمت بين الرابع والعشرين من كانون الثاني/ يناير والسادس من شباط/ فبراير الجاري.
كعادتها، رفعت الوزارة كليشيهات حول تقديم السردية الأردنية، التي تفترض أنها تمثّل "هوية" متجذرة في الماضي وتسير قدماً نحو المستقبل، بينما تفتقر جهود المؤسسة الثقافية الرسمية لدراسات محكّمة حول تاريخ الأردن أو مواد فيلمية توثّق لمختلف مناحي الحياة خلال القرن الماضي، يمكنها إقناع المتلقّي الأردني قبل نظيره العربي.
بل يمكن القول إن الذاكرة الشعبية تكاد تندثر مع غياب مشروع حقيقي لتدوين المطبخ، والأزياء، والعمارة، والعادات والتقاليد، والطقوس والمعتقدات، وإنشاء معاجم متخصّصة في اللهجات واللغات القديمة، التي أثّثت قاموس الحياة الاجتماعية والأنشطة الزراعية والتعبيرات الفنية طوال مئات السنين الماضية، والتي يمكن العود فيها إلى مؤلّفات مهمة وُضعت بجهود فردية، وتتصدرها "معلمة للتراث الأردني" التي نشرها الباحث والمؤرّخ روكس بن زائد العزيزي (1903 - 2004).
تكاد الذاكرة الشعبية تندثر في غياب مشروع حقيقي لتدوينها
عند تصفّح البرنامج الثقافي الذي أعدّته الوزارة، تتكرّس وجهة النظر التي تنتهجها الوزارة لهوية الأردن وثقافته، في تفكير لا يخرج من الصندوق، حيث شارك سفير الأردن في القاهرة أمجد العضايلة الذي لا يُعرف عنه أيّ انخراط في همّ ثقافي منذ توليه منصبه الرسمي، في ندوة بعنوان "العلاقات السياسية والدبلوماسية الأردنية المصرية".
إلى جانب محاضرات بعناوين مثل "الأردن، تاريخ وحضارة"، و"رسائل ملكية: الأردن ومصر بين الأعوام 1921 - 1946"، و"التنمية الثقافية في الأردن في مئة عام"، و"رواد الفكر والثقافة في الأردن"، و"الدراما الأردنية"، مع الإشادة بندوة يشكّل موضوعها واحداً من أبرز السجالات الثقافية في التاريخ المعاصر بين شخصيتين مصرية وأردنية هما طه حسين وناصر الدين الأسد، وإن لم يتجاوز المتحدّثون فيها عمق النقاشات والمراجعات التي دارت حول سجالهما قبل نحو سبعين عاماً.
كان يمكن التخطيط بشكل نوعي ومختلف للمشاركة الأردنية، لو أن القائمين على الثقافة سعوا إلى وضع التراث والثقافة على طاولة الدرس والتنقيب المعرفي، كما حصل في بعض الجلسات التي شارك فيها متخصّصون لهم خبرة ومنتج بحثي لافت، بدلاً من الإصرار على التوظيف السياسي في كرنفالات وفعاليات مكرورة.
هل تَعرّف الجمهور المصري والعربي على مساهمات جدية قام بها باحثون وكتّاب أردنيين خلال مئة عام مضت، أم لا تزال معرفته تقتصر على اسماء مثل غالب هلسا وعرار وربما اسم أو اسمين آخرين؟ وهل أمكنه الاطلاع على مدونة الأدب والفن الأردني المعاصر خارج منظور الرؤية الرسمية؟ تساؤلان يستحقّان التوقف عندهما حتى لا يظّل الحضور الثقافي الأردني باهتاً في الداخل والخارج أيضاً.