اقتلاع

25 يوليو 2024
فتىً فلسطيني يعبر بدرّاجته من بين الأنقاض في حيّ الشجاعية بمدينة غزّة، 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- يعبر النص عن معاناة الكاتب الفلسطيني في بلجيكا، مشيرًا إلى الفقر، اللجوء، والحنين إلى الجذور.
- يتناول النص قضايا اجتماعية وسياسية مثل اقتصاد اللجوء، المثقفين، والمعاناة اليومية للفلسطينيين.
- يعبر الكاتب عن أمله في مستقبل أفضل رغم الصعوبات، مشيرًا إلى ضرورة اتخاذ قرارات صعبة لتحسين الوضع.

يعصرني أن أذبل كلّ يوم. يعصرني ابتعادٌ مُوغل عن الجذور: غياب رجل يقشر البصل في سوق شعبي. تعصرني الحقيقة المَخفيّة وراء اقتصاد اللجوء. أن أُراقب من لا يرون الحقائق حتى بـ"التلسكوب". المأساة بدون قناع. ألّا تعترف سيرة الكاتب بسبُل متعدّدة للدخول والخروج. عدم الكشف عن الصورة الذاتية وإنكارها، ولكن أيضاً الحميمية الغائبة في العمل. الباكيات بمعدة فارغة، والمرحات بمعدة مُمتلئة. مَن لا يبكي لأنه فلسطيني وتنتظره الأهوال. المثقّفون الذين يزوّدون الإجماع الوطني بأكسجين الرواتب.

يعصرني ألّا أبتسم للحياة ولو مرّة كلّ يومين. يعصرني آحاد من نسوة اللجوء، يتناولن حبوب منع الحمل، لأن الحكاية أكبر من: "مجرّد جنس فموي". قلبي عليهنّ وهنّ ضحايا كَيّ الوعي وكيّ الشرف. ذلك المهرّج وهو لا يعاني.

من يشرف على ثغرة في جدار، ولا يحنُّ إلى جدران قديمة.

تعصرني ليالٍ من الغضب الذي أراه أحياناً لا معنى له، مع أنّ له كلّ المعنى الوخيم. الماضي الاستعماري غير المريح، وطفولة بلا شبع، وشخصيات تعبر الريح، فتمسح ملامحَها الريح.

من لا يحقّق الفوز بعد مباراة شاقّة وقد ظنّ نفسه قادراً. ملحمة القسْري والقصائد الغنائية لجهود سباقٍ بلا نهايات. تلك الطُّرق بين كروم العنب في غير مكانٍ شاميّ. عدم ركوب الدراجات من زمن آخر. عدم إنقاذ أية قضية فاشلة من بين براثن الإمبرياليّين. من السيِّئ أن تعاني أيها البشري، لكن المعاناة تصنع الرجال. لهذا من الجيّد جدّاً أن نُعاني على أمل، مع القليل من الحظّ، بالفوائد التي تأتي غبَّ أحلك الأوقات.

تعصرني متابعة المتشائمين وما يُفرض عليهم من خسائر فادحة

قد لا ترغب في سلَطة البطاطس والخيار وبلح البحر مع عصير التفّاح والكُرّاث أو الباذنجان المحشوّ، إلّا إن جُعتَ، وشممتَ روائح طعام بعيد يُبكيك. يعصرني ذلك الندم الذي تم افتتاحه للتوّ في غرفة ما من غرف مخيّم "بروخم". تعصرني حتى حماقة حلم بعضنا بالانتقال من التشرّد إلى جَني الملايين، من لمّ الأثاث في الشوارع وبيعه للفقراء وحتى للأغنياء. كلّ من كان لديه طفولة صعبة من دون امتيازات، يعرف أنّ هذا أضغاث أحلام وإبر "فالصو".

تعصرني حياةٌ مضت، بطيبتها، وغدٌ مُعلّق بين النشوة المُفرطة في الحصول على ورق، وشبح الحصول على فقاعة ورق التواليت! لقد تركت تدابير التحوّط، مثل تلك التي يحوزها الأقوى منّي، مفلسةً تراهن على الانهيار. يعصرني أن أُتابع الانخفاضات التي يسجّلها المؤشّر كلّ يوم، حول المتشائمين في العالَم وما يُفرض عليهم من خسائر فادحة. إن عدم وجود الحوافز ليعيق تطوير الأمل في الروح.

ولقد تكون المعيشة هنا غير قابلة للتحكّم، لكن هذا أفضل من البقاء سنوات طويلة، في انتظار فرج لا يأتي. ما لها العودة إلى برشلونة؟ ستكون أفضل استثمار على مدى السنوات العشر المقبلة، إن كتب الله لنا الحياة. هناك سنبدأ مساراً جديداً بدفن خطّة العبور غير الرصين إلى بلجيكا. لا بدّ من قرارات صعبة للمرّة الأُولى يجب اعتمادها قريباً.

يَسّر وأَعِنْ يا ربّ.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون