- تستخدم الشاعرة صورًا قوية مثل البومة النازفة والفهد الذي يرقب المدينة لتبرز التباين والترابط بين العالم الطبيعي والعالم البشري، مشيرةً إلى التأثير المتبادل بين الإنسان والطبيعة.
- تأمل القصيدة في مفهوم الزمن والخلود، مستخدمة الطبيعة كرمز للدورة الأبدية للحياة والموت، وتعبر عن فكرة التجدد المستمر والأمل في دورة الحياة الأبدية.
أفعى تلتهم طائرَ ماينا
يبْرز الرأس أولاً، ثم الساقان الصفراوان
من فم الأفعى المحشو
وفي الأسفل رُبط القطيعُ
إلى الأشجار العتيقة
العشب الطويل يحفل بالرَّوث
الرّعدُ يقصفُ في الهواء الرّطيب
ليس هناك مِن "أنا"*
في الأنفاس
تشقُّ الجذورُ دروبها المتعرجة بين الأوراق المتساقطة
رَوعُ بومةٍ يتهشّم
على جذع شجرة، تفقد جناحاً،
تهوي إلى حيث الأعشاب المتيبِّسة
ليس هناك مِن "أنا"*
في الأنفاس
الفصولُ مُحْكَمة ومتأصِّلة
فماذا عليَّ
أن أقول
الرعدُ يقصفُ المرّةَ تلوَ الأخرى
وما هو حقيقي يجب أن يُحصَدَ كلَّ يوم ويُدرَس ويُجرَش
يوضَعَ على النار
ثم يؤكَل
وما عليَّ
تخيُّله
أن هذا المكان حيث أُلْنا
بصيرتَنا قد صُنع
من فصولنا
التي تأتينا
بالمطر.
■■■
خذْنا خذنا
خذنا
نحن
بومة المخزن النازفة
هامدة
في برج الأجراس القريب
الجرس الصدئ
المساء المكلوم
والسِّكّير وراء
الستائر المزركشة بالزهر
يتوعّد أُمَّه
بالموت
خذنا إلى عالَمٍ
أكثر اتساعاً
أرضٍ نائية، أرضٍ
مشرقة
حيث يمكننا
أن نشهدَ
نتركَ الضوءَ كلَّه يبلغ
منتهاه.
■■■
عندما لا يعود بالإمكان
رؤية النيران
يقطعُ أحدهم شوطاً كافياً
في السّير
الطائر الذي
يقتاتُ
والطائر الذي
يرقبُ الطائرَ
الذي
يقتات
كلاهما ساكنٌ
في ظلمة الليل الرّجيمة
قد تفحّمَتِ
المسالكُ المؤدية إلى الغابة
وامتدادُها رسمَتْه
الأقدامُ التي وطأَتْها
كي تنأى
كي تتيقّظَ
كي تكون
لا أحد.
■■■
فهدٌ يرقبُ
المدينةَ
في الليلِ حين تشكّلتِ
الطّرقاتُ والبيوتُ
من الضوء
يصِلُ مدى رؤيته الليليةِ
طرَفَ المدينة كما
يُلمَح البحرُ الظليمُ الكسيرُ
من تلال تَوْقه الجرداء
في الأعالي
ثمّة المحطة الفضائية الدولية
الأكثر بريقاً
في سماء الليل بعد
القمر
تتعقّبُ خلسةً الأرضَ
الدّوّارةَ وتقتنص
مجاهلَ
الكون
وفي الأسفل
ثمة مَن يُنقّي الأرضَ-
يُنقّي الأرضَ-
يحاول أن
يُنقّي الأرضَ
من التّوق المهول
إلى كلّ شيء
ثمة مَن يحاول
أن يبدأ.
■■■
شساعةُ الطَّمْي
تنهضُ بسهول الأنهر العظيمة
السّارية في هواجسِ الأنعام المتبلِّدة
التي ترعى متلاصقةً
بسرعةٍ تتناسب
مع مطاردة مفترسٍ
قد تبدأ في أيّ وهلةٍ
هذا الـ "الْقَدِيمُ الأَيَّامِ"**
في أيّ لحظة
الكون في خطر
شساعة طوفان السهول
مصبُّ النهرِ العريضُ
يردّد ما هو أبداً
خارق، متفرِّد.
■■■
يغرق البؤبؤ
في الظلمة
كي يتبيّن
ما لا يمكن تمييزه
من أصول الأشياء
الوميض المؤدي
إلى علَّةٍ بعينها
عن السببِ في أن يصدمَ
شهابٌ الأرضَ
السببِ في أن نستقبلَ
خرائبَ الكون
السبب في صنيعٍ
أرعنَ
مَسٍّ معيبٍ قلبٍ
منقبضٍ
تقشيرِ وسلخِ الكائنات
اعفونا من أيّ تفسير.
■■■
مَن يعبر
النّارَ يشعشع
في الرّمادِ
هاجعاً نيِّراً
كما الجمر
الذي يتوهج
في الأسفل.
■■■
نحن محشورون
معاً
في ظلمة رطيبة
كالتربة
نطيل من أمدِ
حيواتنا
تكتسي التلال الخضراء النديّة
بالأسود وعند المساء
يتّقدُ المصباح
يلتوي صدْقُ الحقيقة
الميازيب، تعلو
الظلام يبقى ساكناً
ويتقطّر اللعاب
من لسان
الرّبّ الممدود.
■■■
امضِ بنا نحو
الشيء
الأمثل
اشحذْ هذه
الأغنيات
أسألُك عن نهاياتِ الأرض القصيّة
أسألك أين تكمن سُرَّةُ العالَم الحيّ
هل لي أن أصلَ
الضوءَ العميم
ذلك يخلو
من الخوف
لا تدَعِ الظلامَ يبْلغنا
الحديث يدور
بين عالَمين
لا تترك عملي
المكتملَ
يتحطّم
قبل أن يفلتَ
منّي موسمه،
الخوف،
اشحذْ
هذه الأغنيات
كالفأس
بحجَر الجلْخ
حرِّرنا
حتى من الإثم
الذي خلقناه
اخفِ ما يقبل الإخفاء
من الظلام
تجاوزْ كلَّ سلّابٍ نهّاب
واخلقِ الضوءَ
الذي
نشتهيه.
■■■
محلّقاً، يطوي الصّقرُ
جناحيه العريضين
مبقَّعاً بأثرِ كلّ ما خلَفه
على امتداد الطريق
عشرة آلاف وثمانمائة
من أحجار قرميد
جعلته
يبدأ بالانشطار ثم السقوط
مستنهضاً جناحيه الاثنين معاً
فوق رأسه
يندفع إلى الأعلى
تاركاً الأرضَ
تربةً ورمالاً
يهوي مهشِّماً ظلَّ هيئته
في الأسفل
يتقطر الماءُ من
جسم الصقر
والحليبُ والرمادُ
بدَداً في الهواء
ثم الأشياء التي لابدَّ أنها تُخفِقُ
سُوق العشب، القشُّ وجُذاذات الحشائش
تاركاً أُضحيةَ هذا السقوط وراءه
يطير الصقر
باتجاه الشرق
طائرُ الرؤية الأكثر بُعداً
الكائن ذو الطيران الأكثر سلاسة
المترحّل بين الضّيْقِ***
والاتّساع
إذ لا ثالث لهما
يترحّل فيه عبْرَ ما هو قائم على دعامات
وسوى ذلك
على الأرض
كان كلّ ما حظي به الصقر
كوخاً مسقوفاً
وركاماً ودخاناً
وأنفاس الأضحية
الاتساع، الاتساع
الامتداد، و تَرْك
جيفة الضّيْق.
■■■
قد التمَّ العالمُ في
بؤبؤ عين
السهل اللامتناهي حافلٌ بالندوب
الأرض لا تني تتسع وتتسع
وتقيس مسافات
الرغبة
تُجري تسوية
كونها تقع في محور التقاء
الأرض والسماء
هل لي
ولو اللحظةَ
أن أُصحّح مسارَ الأشياء.
■■■
تمتدُّ مخازن الغلال
وتتعرّج كما
الشطآن التي نرنو
منها إلى المحيط الزاهي، وراءنا
الأرض الخصيبة، والأنهار
القادمة إلى البحر، والغِرْيَن
وراءنا آلاف
السنين
الفِقرات المنضغطة
العمود الفقاري المحني
للأمام أبداً
وراءنا
قرابين النّار المنعقدة
داخل "الصقور"**** باسطةِ
الأجنحة، المبنية قرميدةً إثرَ قرميدة
رحلة طيران
مهجورةٌ، خفيّة
في مصادفات لا يمكن التنبؤ بها
أمامنا عبّاراتٌ أكلّها الصّدأ
وعطر يومي
لبهارات غُمرتْ في الزيت
ثمة لا تَنَاهٍ كَلِيْلٌ لبحر وسماء
فما الذي أستطيع
المضيَّ إليه؟
شرائع قَصِيَّة
نيران أُوْقدتْ على
المقاصّة الفارغة*****، المنحدِرة
باتجاه الشرق
الكلمة المغنّاة
الفكرة الحذرة
مشتَّتة
والمسافة النجمية مرصوصة
في النّخاع الشوكيّ
خلْفَنا أرض فسيحة باتتْ
ضيّقةً
عند نهايتها القصوى.
* ترجمة عن الإنكليزية: أحمد م. أحمد
بطاقة
Sharmistha Mohanty شاعرة وكاتبة هندية من مواليد عام 1959 في كالكوتا وتقيم اليوم في مدينة مومباي. درست اللغة الإنكليزية في جامعة كالكوتا، والكتابة الإبداعية في جامعة أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية. عملت صحافية في صحيفة التلغراف، كالكوتا. كما اشتغلت بشكل حرّ لصالح العديد من المجلات والصحف الهندية في مجال الفنون والقضايا الاجتماعية. إلى جانب أعمالها الشعرية، تكتب السيناريو والرواية ونشرت ثلاثة أعمال نثرية هي: "الكتاب الأول"، "الحياة الجديدة"، و"خمس حركات في المديح". كما ترجمت مجموعة مختارة من روايات رابندرانات طاغور. ظهر نثرها وشعرها في العديد من المجلات بما في ذلك غرانتا، والشعر، والأدب العالمي اليوم، والقافلة.
هوامش:
* في الفلسفة البوذية، تُعتبر الذات الدائمة ضرباً من الوهم. ويُنظر إلى هذه الذات على أنها مظهر آنيّ ودائم التغيُّر، لذلك يلجأ البوذيون إلى التأمل والممارسة الروحية.
** سفْر دانيال 7- 9.
*** تلمح هذه القصيدة إلى طقوس أغنيكايانا التي كانت تمارس في العصور الفيدية منذ قرابة 3000 عام. وقد تم تشييد هيكل صلاة ضخماً من القرميد على شكل صقر أو نسر. ولا تزال هذه الطقوس تُمارس بين حين وآخر.
**** (الصقر) منفرش الجناح هو بناء من القرميد يتم تقديم القرابين في داخله، حيث يرمي المضحّون أضحياتهم وأطعمتهم ومشروباتهم السائلة في النار مع ترديد الترانيم الدينية. وتشمل القرابين عادةً السمن البلدي والحليب واللبن والسكّر والزعفران والحبوب وسوى ذلك من الأغذية النفيسة.