سلسلة عروض جديدة لأفلام مُرمَّمة من إخراج اللبنانية هيني سرور (1945)، يُنظّمها "نادي لكلّ الناس" في عدد من الفضاءات الثقافية اللبنانية بين بيروت وطرابلس وجبيل ودير القمر، بدءاً من الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وحتى الحادي والعشرين منه. مُشاهَداتٌ لأعمالٍ عمْرُ بعضها يقرب من خمسين عاماً، لكنّها ما زالت حيّة، ولقاءاتٌ مباشرة مع الجمهور لصانعة الأفلام التي كانت أوّلَ مُخرجة عربية يُعرَض لها عملٌ في "مهرجان كان" ("ساعة التحرير دقّت" عام 1974).
عن هذه العروض، ورمزية استعادة سرور في الظرف الحالي، تَحدّث مُؤسّس "نادي لكلّ الناس"، نجا الأشقر، إلى "العربي الجديد"، قائلاً: "تنتمي سرور إلى السينما التقدُّمية. ونحن نسعى من خلال هذه الاستعادة إلى تكريمها، وقد حضّرنا لهذا الحدث منذ أشهر، ونرى أن ظرفاً كالذي نعيشه اليوم في فلسطين المحتلّة، يتقاطع بشكل كبير مع مضمون الأفلام وتحرُّريّتها. هذه المرة الأولى التي تُكرَّم فيها وتُعرَض أفلامُها كلّها، وتتوزّع العروض على كلّ المناطق اللبنانية، بين بيروت وجبيل وطرابلس. هيني من جيل السبعينيات، والجيل الجديد لا يعرفها، ومن المفروض أن تُسهّل هذه اللقاءات إعادة اكتشافها".
حضور بارز لمفهوم الثورة وتجلّياتها من ظُفار إلى فيتنام
يوضّح الأشقر أنّ أفلام سرور خضعت للترميم في فرنسا. كانت البداية بشريط "ساعة التحرير دقّت" (1974) الذي يتناول ثورة ظفار في عُمان، وقد استغرق العملُ سنتَين بين 2017 و2019. ولكنّ الظروف بعد ذلك حالت دون عرضه في لبنان، ثم شريط "ليلى والذئاب" (1984) الذي استغرق ترميمه سنتين أيضاً، لافتاً إلى أن النُّسَخ بعد الترميم باتت أفضل من حيث الصوت والصورة والألوان.
بدأت الجلسة الأولى من اللقاءات، الخميس الماضي، في "متحف سرسق" ببيروت، حيث عُرض "ساعة التحرير دقّت"، وتلاهُ نقاش مع المُخرجة أداره الباحث ربيع الشامي. وكان هناك حضور لافت من الجيل الجديد، يُقدّر بمئة وخمسين شخصاً، حسب الأشقر الذي أشار إلى أنّ سرور دعت إلى قراءة الأفلام بشكل جدّي، والنظر النقدي فيها. وبالتالي فإنّ الجيل الجديد مدعوٌّ لا إلى اكتشاف الأفلام فقط، بل لمُقارنة ما فيها بالواقع الذي نعيشه. وبما يراه هو أيضاً من أنواع سينمائية، خصوصاً مع تراجع الخطاب الديمقراطي في إنتاج هذه الصناعة اليوم مقارنة بالسبعينيات.
دعوة إلى الالتقاء بجيل جديد والاستماع لمقولته النقدية
ولمّا كانت ثورات التحرير حاضرة في أغلب أفلام سرور، فإنّ فيلمها "نساء فيتنام" (1998) يُضيء على فيتنام وثورتها، وحال النساء فيها، وهو العمل السينمائي العربي الوحيد الذي تناول هذه القضية المُغيّبة. يقول الأشقر لـ"العربي الجديد": "هذا هو العرض السينمائي الأوّل في لبنان للشريط الذي عُرض تلفزيونياً فقط، وهو يروي تفاصيل عن مقاومة النساء الفيتناميات ضدّ الاستعمارين الفرنسي والأميركي، ويتطرّق إلى علاقتهنّ مع الرجال. العمل كان مُترجماً إلى الإنكليزية فقط، فقمنا بترجمته إلى العربية، وسيُعرض في 'مركز بيروت للفن'، عند السابعة من مساء الجمعة المقبل".
يُعرض، أيضاً، فيلم "الشيخ المُغنّي"، والذي يقول الأشقر عنه: "هذا العمل اقتصر على عرض تلفزيوني عام 2004 (بنسخة 56 دقيقة)، وهو غير مكتمل إلى الآن. وسنتحدث عنه في 'دار النمر'، عند السادسة من مساء الخميس المقبل، بمشاركة الفنّان أحمد قعبور. العمل يروي لقاء المُخرجة، عام 1981، بالشيخ إمام، حيث ترصد علاقته بالناس من الأطفال والنساء، وسنضيف عليه مَشاهد جديدة، وهو ما يتطلّب دعماً، حتى يستوفي الساعة والنصف. والإضافة تنحو إلى ربط جيل ما بعد 2011 بالشيخ إمام، ومدى تأثير الأخير على الشباب في ميدان التحرير أو بيروت أو تونس، والذي تجلّى مع تجمّعات وفِرَق موسيقية جديدة مثل 'مسار إجباري'، و'إسكندريلا'، و'وسط البلد' في مصر، و'الراحل الكبير' في لبنان، و'نادي الشيخ إمام' في تونس".
وعن طبيعة عمل "نادي لكلّ الناس"، يبيّن الأشقر أنه منذ تأسيسه عام 1998، كان همُّه الأوّل إضاءة الأرشيف البديل، وترجمته ورقمنته: "بدأنا عملنا باستعادة أرشيفات مُخرجِين مثل برهان علوية ومارون بغدادي وجورج نصر وقيس الزبيدي ومحمد ملص ورندة الشهال، الذين يُمكن أن نعتبرهم من 'جيل الروّاد'، ونحن مُقتنعون بهذه الأفلام وإن كان هناك من يخاف منها".
وحول تقديم العروض السينمائية في فضاءات ثقافية في وقت يفضّل فيه كثيرون منصّات البثّ، يقول الأشقر: "أتفهّم من يذهب إلى هذه المنصّات. ولكنّنا نفضّل العرض مع الجمهور؛ حيث يحضر صانع العمل ليجيب عن الأسئلة ويتفاعل بشكل مباشر مع الناس. وفي هذا السياق نُحضّر لمهرجان في أيار/ مايو المقبل، للإطلالة على الإنتاجات الطلّابية الجديدة للبنانيين والعرب".
وختم نجا الأشقر حديثه بالقول: "من المؤسف أنّ المهرجانات العربية إلى الآن لم تدعم هذه النوعية من الأفلام، بل لا تلتفت حتّى إلى عرضها. تصوَّر أنّ هناك أفلاماً أرسلناها إلى بعض الدول العربية، ولكن لم يُسمح بعرضها".
يُشار إلى أن جولة العروض والنقاشات في بيروت تُستكمل مع فيلم "ليلى والذئاب" عند السابعة من مساء اليوم، في "برزخ"، و"ساعة التحرير دقّت" في التوقيت نفسه مساءَ غد في "هايفن". وعند السادسة من مساء بعد غدٍ الخميس يُعرض "الشيخ المغنّي" في "دار النمر"، و"نساء فيتنام" عند السابعة من مساء الجمعة المُقبل في "مركز بيروت للفنّ". على أن تُختتم الجولة بشريط "ليلى والذئاب" عند السادسة من مساء السبت المُقبل، في "المركز الثقافي الفرنسي" بدير القمر.