في صباح الحادي عشر من آذار/ مارس عام 1978، وصل أحد عشر فدائياً فلسطينياً تقودهم دلال المغربي شاطئ مستوطنة "معجان ميكائيل" التي تبعد 25 كيلومتراً جنوب مدينة حيفا المحتلة، بعد أن ضلّ زورقاهما الطريق بسبب الأجواء العاصفة وحركة الموج العالية، وغرقِ اثنين من مجموعة "دير ياسين" التي نفّذت واحدة من أبرز العمليات الفدائية في تاريخ المقاومة الفلسطينية.
لم يكن وصول الفدائيين إلى وطنهم المحتل سهلاً، إذ إن المجموعة خاضت تدريباً طويلاً استمر لستة أشهر جرت خلالها محاولتان لتنفيذ العملية، لكنهما لم تكتملا، وعادت المقاومون أدراجهم إلى أن نجحت في المرة الثالثة، وتقلص عدد المتدربين من 21 إلى 13 فدائياً بسبب صعوبات التدريب والإعداد.
وحملت العملية اسم الشهيد كمال عدوان الذي اغتالته إسرائيل مع الشهيدين كمال ناصر وأبو يوسف النجار، في 10 نيسان / إبريل 1973 في منطقة فردان في بيروت، وكان الهدف منها بحسب البيان السياسي الذي أصدرته حركة "فتح"، إحياءً لذكرى الشهداء الثلاثة، و"مواصلة الكفاح المسلح ضد الغطرسة والاحتلال الصهيوني".
قامت ’فرقة دير ياسين‘ التي قادتها المغربي بواحدة من أبرز العمليات في تاريخ المقاومة الفلسطينية
انتسبت المغربي المولودة في 29 كانون الأول/ ديسمبر 1959، إلى صفوف الثورة الفلسطينية سنة 1972، وبعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، انضمت دلال إلى "كتيبة الجرمق" أو "الكتيبة الطلابية"، وقاتلت في صفوفها، ما بين سنتَي 1975 و1977.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 1977، كان موعد أولي لانطلاق المحاولة الأولى للعملية التي كُلفت دلال المغربي بقيادتها، فقَدِمت إلى بيتها لتودع أفراد عائلتها، وحضرت عيد ميلاد أخيها الصغير وقالت حينها لأختها رشيدة، "إن هذا آخر عيد ميلاد أحضره"، لتنجح العملية بعد أشهر ثلاثة وتستشهد دلال التي لم يعد جثمانها حتى اللحظة، رغم أن صفقة تبادل الأسرى بين "حزب الله" والعدو الصهيوني في 17 تموز/ يوليو 2008، تضمّنت استعادة الجثمان، لكن فحوص الحمض النووي التي أجريت على رفات جثامين خمسة من أفراد مجموعة "دير ياسين" الذين أعادتهم إسرائيل، أظهرت عدم إعادة جثمانها الذي بقي غير معروف المكان.
عندما وصلت دلال مع رفاقها المقاتلين صباح السبت؛ قبل ستّة وأربعين عاماً بالتحديد، إلى الطريق الدولية بين حيفا وتل أبيب، استولوا على سيارة أجرة، وعلى باصين للركاب أيضاً، ووضعوا الركاب جميعاً في باص واحد انطلق نحو مدينة تل أبيب، ونجحوا في تجاوز العديد من الحواجز، وعند اقترابهم من مدينة هرتسليا، وقعت معركة عنيفة بينهم وبين جيش الاحتلال استمرت ساعات، والتي أسفرت عن تفجير الباص بمن فيه وقتل أكثر من ثلاثين إسرائيلياً وإصابة نحو ثمانين، في حين استشهد تسعة من المقاومين، وأُسر اثنان منهم هما حسين فياض، وخالد أبو أصبع.
وضمّت قائمة الشهداء بالإضافة إلى دلال المغربي، كلّاً من حمد حسين الشمري، ومحمود علي أبو منيف، وأبـو الرمــز (اسم حركي)، وحسين مراد، ومحمد محمود مسامح، وفاخر النحال (اسم حركي)، وعامر أحمد عامرية، ومحمد راجي الشرعان، وكذلك عبد الفتاح يوسف عبد الرؤوف عبد السلام علي اللذين غرقا بانقلاب زرقهما قبل الوصول إلى الشاطئ، والمفقود يحيى محمد سكاف الذي أصيب في العملية، وتقول شهادات "الصليب الأحمر" إنه كان محتجزاً في السجون الإسرائيلية، ولم يعترف العدو بوجوده في سجونه.
العملية التي تركت أصداء واسعة وأظهرت إمكانيات المقاومة الفلسطينية النوعية، دفعت الاحتلال إلى ردّة فعل انتقامية بعد ثلاثة أيام فقط، إذ اجتاح العدو الإسرائيلي الحدود اللبنانية في "عملية الليطاني" التي أسفرت عن استشهاد مئات المقاتلين الفلسطينيين والمواطنين اللبنانيين، وتهجير أكثر من مئة ألف مواطن لبناني من بيوتهم وقُراهم.