إلى جانب أعماله الروائية والفكرية والبحثية ضمن اختصاصه في السيميولوجيا، قدّم الكاتب الإيطالي أومبرتو إيكو مجموعة من الأعمال الثنائية التي كانت تتيح له الخوض في مسائل أبعد من القضايا التي عُرفت عنه، من ذلك كتاب له مع عالم الاجتماع البولندي زيغمونت باومان مكّنه من التطرّق إلى قضايا المجتمعات الحديثة ومصائرها، وله عمل مع الكاتب المسرحي الفرنسي جان كلود كاريير بعنوان "لا تعتقدوا في نهاية الكتب".
بقيت مثل هذه الأعمال في الظل مقارنة بأشهر مؤلفاته مثل: "القارئ في الحكاية"، و"الأثر المفتوح"، ناهيك عن أعماله الأدبية وأشهرها رواية "اسم الوردة". ولعلّ ما يبرز قلة الاهتمام بالكتب المشتركة لإيكو هو أنها تأتي في درجة ثانية من اهتمام المترجمين، وهذا هو الحال في العربية.
يأتي صدور النسخة العربية من كتاب "بماذا يؤمن مَنْ لا يؤمن؟" ليفتح نافذة على هذه المنطقة من منجز إيكو، عمل اشترك فيه مع رجل الدين كارلو ماريا مارتيني، وقد صدر مؤخراً عن "منشورات المتوسط" بترجمة أماني فوزي حبشي.
قدّم الكتاب الباحث سامح حنا، ومما ورد في كلمته: "هذا كتابٌ غريبٌ في بابه، وفيما يطمح إليه. والغرابة هنا ليست بالنسبة إلى الثقافة الغربية (الإيطالية في هذه الحالة) التي أفرزت مشروعاً كهذا، إذ ليس من المستغرب (وإن لم يكن من المعتاد) أن يتحاور رجل دِين مع روائي وباحث، يتبنَّى رؤية عَلْمَانية للعالم حول سؤال الإيمان، وما يثيره من أسئلة أخرى. الكتاب غريب على ثقافتنا العربية. تعوَّدنا أن نرى حوارات أديان، يشترك فيها - غالباً - "رجال" (وليس نساء) دِين، يتبنَّون عقائد مختلفة، ويجلسون إلى مائدة الحوار بحثاً عن المشتركات، ليخرجوا بنتائج، ربَّما تكون، في أغلبها، معروفة سلفاً. أمَّا أن يجلس رجل دِيْن إلى كاتب يتبنَّى وجهة نظر عَلْمَانية، فهذا غريبٌ علينا، وإن لم يندر حدوثه في ثقافتنا. ما زالت ذاكرتنا الجَمْعِيَّة تحتفظ بحوارات، تقترب من هذا النوع عندما كتب إسماعيل أدهم كتابه الشهير في ثلاثينيَّات القرن الفائت تحت عنوان "لماذا أنا مُلحِد؟"، ليردَّ عليه الشيخ محمَّد فريد وجدي بكتابٍ، عَنْوَنَهُ "لماذا أنا مؤمن؟". كذلك كان الأمر في حوارات فرح أنطون مع الشيخ محمَّد عبده حول ابن رُشْد وأثره في الثقافة العربية الإسلامية".
أما كيف تبلور مشروع الكتاب، فقد كان بادرة من مدير تحرير مجلَّة "ليبرال"، فيرناندو أدورناتو، الذي رتّب لنقاش يجمع بين الكاردينال مارتيني والكاتب إيكو. ثمّ تجسّد ذلك في تبادُل المراسلات، وظهرت تلك الرسائل على صفحات "ليبرال" بين 1995 و1996، ثم نُشرَت في كتاب عام 1996 بعنوان "بماذا يؤمن مَنْ لا يؤمن؟".
ونقرأ من رسالة لإيكو: "يُؤسِفني بعض الشيء أن إدارة التحرير قرَّرتْ أنني يجب أن أبدأ دائماً: فهذا يجعلُني أشعر بأنني لحوح. ربَّما تتبع إدارة التحرير هذا الكليشيه العبثية، والتي بموجبها يتخصَّص الفلاسفة في صياغة الأسئلة التي لا يعرفون لها إجابة، بينما يمتلك رجل الدِّيْن دائماً الإجابة الصحيحة. لحسن الحظِّ، أثبتَّ أنتَ أن تأمُّلات رجل الدِّيْن يمكن أن تكون إشكالية ومؤلمة، وبالتالي أحبطتَ مَنْ يتوقَّع منكَ مهمَّة الوعظ".