يدور معرض "إنتاج"، المُقام في "مشيرب" - قلب الدوحة، في مدارَين محلّي وعالمي، ويحكي قصّة السينما والتلفزيون والمسرح في قطر، ثم ينتقل إلى مقتنيات ثمينة من "متاحف قطر"، ليطرح مقاطع تأسيسية من تاريخ هذه الفنون حول العالم. يستمرّ المعرض الذي افتتحته "مؤسّسة الدوحة للأفلام" في "سكّة وادي مشيرب" حتى 22 يناير/ كانون الثاني المقبل، وذلك ضمن فعاليات "تجربة الدوحة للأفلام".
بدأت الحركة السينمائية المعاصرة في قطر إبان الخمسينيات، بوصفها متلقّية لهذا الفن واسع الانتشار، خصوصاً أنّ الإنتاج السينمائي بصيغة 16 مليمتراً بات أقلّ كلفة تجارية وأسهم في توزيع واسع في العالم، وعليه راجت عروض السينما، وأصبحت ذات شعبية بين الجماهير المحلّية.
ستَعرف قطر زيادة مطّردة في دُور السينما، مع تأسيس "شركة قطر للسينما" في عقد السبعينيات. أمّا الخطوات المبدئية في صناعة السينما الوطنية فتعود إلى عام 1975؛ عندما بدأ "تلفزيون قطر" بصناعة أفلام وثائقية قصيرة. لدينا في المعرض صور تذكارية من فيلم "الشراع الحزين" (1977)، و"رسالة من دانة" (1978)؛ وهي رسالة يكتبها مهندس قطري شاب يعمل على حفّارة النفط "دانة"، و"الغوص" (1979).
بقيت هذه الصناعة خجولة مقارنة مع التلفزيون والمسرح اللذين تجاوزا معاً نصف قرن من الإنجاز، وقطعا مسافة أكبر من السينما منذ استقلال قطر عام 1971.
وإذا عاينّا البروز النوعي لصناعة السينما، فسنذهب إلى ما يوثّقه المعرض من تاريخ بدأ عام 2010 مع إطلاق الشيخة الميّاسة بنت حمد آل ثاني "مؤسّسة الدوحة للأفلام" لدعم نموّ مجتمع صنّاع الأفلام في قطر، وتقديم التمويل والدعم، وتوسيع شبكة علاقات صناع الأفلام.
بدأت الخطوات الأولى لصناعة السينما في قطر عام 1975
وقد وُضعت الخطوط العريضة للمؤسَّسة من خلال شراكة دولية مع "مؤسَّسة ترايبكا" لصاحبها الممثّل الأميركي روبرت دي نيرو، وتعاونت المؤسّستان لإطلاق "مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي" عام 2009.
وعبر برامج تطوير المهارات والتدريب والتمويل، أصبحت "الدوحة للأفلام" منصّة حيوية لمساعدة صنّاع الأفلام على الوصول بأفكارهم وسردياتهم إلى الساحة الدولية.
ووصل عدد المشاريع السينمائية التي دعمتها المؤسَّسة حتى الآن إلى أكثر من 750 مشروعاً من 74 بلداً، عُرض عدد كبير منها في أبرز المهرجانات السينمائية الدولية ونال جوائز عدّة خلالها. وتشمل قائمة هذه المهرجانات كان وبرلين والبندقية وتورنتو ولوكارنو وغيرها. أصبحت "الدوحة للأفلام" أوّل مؤسَّسة عربية تُحقّق عشرة ترشيحات لجوائز "أوسكار" خلال سبع سنوات متتالية.
صناعة التلفزيون
يعود المعرض إلى جذور نشأة التلفزيون في قطر بتاريخ أغسطس/ آب 1970؛ إذ بُثّت البرامج في البداية بالأسود والأبيض، ثمّ بدأت بالألوان عام 1974، ومَثّلت صوتاً لا غنى عنه، وأصبحت مصدراً للمعلومة والخبر والترفيه لسائر أهل قطر من خلال البرامج المتنوّعة.
هذه صور تَظهر فيها في الاستوديو فوزية الصالح أوّل مذيعة قطرية على شاشة تلفزيون قطر عام 1970، وصورة أُخرى لأوّل مذيع قطري وهو عبد الوهاب المطوع، والمذيع جاسم عبد العزيز الذي رحل عام 2020 واشتهر ببرنامجَي "ليلة العيد" و"امرح واربح"، وكذلك صور من مسلسلات أو لنجوم الدراما التلفزيونية، مثل عبد العزيز جاسم وغانم السليطي اللذين اشتركا في المسلسل الكوميدي الشهير "فايز التوش" ذي الخمسة أجزاء منذ مطلع الثمانينيات.
الوقوف تحت الأضواء
وصولاً إلى الحركة المسرحية، فهي بطبيعة نشأتها بين الشعوب ستكون الأقدم بين الفنون التي ترافقت مع الاختراعات التقنية كالسينما والإذاعة والتلفزيون، فهي في قطر ممارسة في المدارس والنوادي الاجتماعية قبل تأسيس الدولة بعقود.
غير أنها، بشكلها المعاصر المؤسّسي، بدأت بعد فترة ليست بالطويلة من استقلال البلاد عام 1971 من خلال تأسيس "فرقة قطر المسرحية" عام 1972 و"فرقة السدّ المسرحية" بعدها بعام. ومع تطوُّر هذا النوع من الفن واكتسابه مزيداً من الشعبية، جرى تأسيس فرقتين مسرحيتين إضافيتين، وهُما "فرقة الأضواء المسرحية" و"الفرقة الشعبية المسرحية". وفي عام 1994 اندمجت هذه الفرق الأربع لتشكّل فرقتين هُما: "فرقة قطر المسرحية" و"فرقة الدوحة المسرحية".
تعود بدايات المسرح إلى سنة 1972 مع تأسيس "فرقة قطر"
وما إن يُذكر المسرح حتى يعود أي مهتم بهذا الفن في قطر إلى "مسرح النجمة" الذي كان ركيزة المرحلة الأُولى في قطر لاستقبال الجمهور في المسرح، حيث شهد عام 1975 العرض الأوّل لمسرحية "أم الزين" للكاتب والمخرج القطري عبد الرحمن المناعي.
تناولت هذه المسرحية المهمة التحوُّلات الاجتماعية التي أحدثتها الطفرة الاقتصادية آنذاك، من مجتمع الغوص إلى ظهور النفط، وكانت مع غيرها من الأعمال تسجّل حضور المسرح المتقدّم على غيره من الفنون، مستفيداً من خبرات أسماء عربية بارزة، مثل المخرج الأردني هاني صنوبر الذي أخرج مسرحيتي "أم الزين" و"باقي الوصية" اللتين كتبهما المناعي، وغيرهما، إضافة إلى أثره في تأهيل الفنّانين، وقد خرج بينهم نجوم هذا العقد وما تلاه.
لحقت هذه الفترة تطوّرات عدة، من بينها إنشاء "مسرح قطر الوطني" الذي بدأ في استقبال الجمهور من عام 1986 و"مركز قطر الوطني للمؤتمرات" في عام 2011، والذي يضمّ مسرحاً بسعة 2200 مقعد، كما تتوافر المسارح في "كتارا" و"سوق واقف".
رواة القصص التفاعلية
في العصر التفاعلي الذي بتنا نعيشه اليوم، أصبح لزاماً على صنّاع الأفلام، والفنّانين بشكل عام، أن يتوصّلوا إلى وسائل جديدة إبداعية لإيصال قصصهم على نطاق واسع.
هذا قسمٌ من المعرض يتبع فيه الفنّانون المشاركون وسائل متنوّعة اختار بعضهم توجيه التحية للشخصيات القطرية البارزة في عالم السينما والتلفزيون والمسرح، بينما اختار البعض الآخر استخدام وسائل الإعلام الجديدة الخاصة بهم، وغيرها من وسائل سرد القصص أداة لتنفيذ أعمالهم الفنية.
ومن ذلك، احتفالاً بعبد الرحمن المناعي (1948)، هناك سجادة يدوية أنجزتها مريم الحميد احتفاء بقيادته ونجاحاته عبر عشرات الأعمال في تشكيل الأعمال المسرحية القطرية.
كما أحيت ريم الحداد المسرحيات القطرية الكلاسيكية، من خلال إعادة صياغة ملصقاتها، وثمّة أعمال لروضة آل ثاني تستخدم فيها أسلوبين صامتين من أساليب حكاية القصص كالخياطة ورقص الباليه لخلق سردية صغيرة متحرّكة.
قصة السينما
ختام المعرض يذهب بنا إلى الكنوز الثمينة التي تقتنيها مجموعة "متاحف قطر"، والتي تزخر بالعديد من الأغراض المتعلّقة بظهور التصوير الفوتوغرافي الثابت وتطوُّر الصورة المتحرّكة.
هنا أمثلة مبكرة لصناعة الترفيه البصري في القرن التاسع عشر، حيث شهدت أوروبا تطوّراً سريعاً لتقنيات تحوّلت فيها من الاقتصادات الزراعية إلى الصناعية. كانت المدن تتوسّع ولم يكن للمواطنين فقط وقت فراغ، ولكن دخل إضافي لاستكشاف فضولهم.
ما يضعنا في هذه المرحلة من القرن التاسع عشر (1880 تقريباً) هو هذا المكان الذي تظهر فيه "بانوراما كايزر" لأوّل مرة مقابل سعر تذكرة صغير. فهذه قبة تمنح للرائي 25 عدسة تظهر فيها الصور ثلاثية الأبعاد، حتى يمكن القول إنها تجربة افتراضية تعود لهذا القرن.
يستعيد المُشاهد في المعرض كيف كان الجمهور يرى مطبوعات مجسَّمة للأحداث المُعاصرة أو الرحلات الاستكشافية إلى الأراضي البعيدة، وقد جمعت التجربة بين ترفيه المسرح الحي والصور الحالية.
أمّا "منظار ميغاليثسكوب" الذي صمّمه الإيطالي كارلو بونتي عام 1862 تقريباً، فهو مثال آخر على تجربة افتراضية في هذا القرن. إنه جهاز قياس كبير يوضع على الطاولة ويستخدم مطبوعات ألبيومين مقعّرة خاصة لخلق الوهم بالبعد، بالإضافة إلى الانطباع الدرامي بالنهار والليل عن طريق فتح وإغلاق أبواب معكوسة من المنظار. عندما يكون الجزء العلوي منه مفتوحاً ويضرب الضوء مقدّمة الصورة لنرى مشهداً نهارياً، وفي حالة إغلاق الجزء العلوي واستخدام الإضاءة الخلفية نرى مشهداً ليلياً.
نتعرّف كذلك إلى معدّات صناعة الأفلام الحديثة، ومن ذلك كاميرا Panavision PSR R- 200، التي استخدمها جورج لوكاس عام 1976 لتصوير أوّل أفلام سلسلة "حرب النجوم" (أمل جديد).
ويوصلنا العرض إلى ملصقات الأفلام المبكرة، بما في ذلك ملصق ميكي ماوس الأوّل، وتلفزيون بريديكتا هوليديا عام 1958، وكاميرات تلفزيون مطلع الخمسينيات، ونسخة من سيناريو فيلم "العرّاب" والتي نطالعها هي نسخة الممثّل الأميركي مارلون براندو الذي نال جائزة الأوسكار عن دوره في الفيلم، وليس بعيداً عنها النسخة الأصلية من سيناريو "ذهب مع الريح" موقَّعة من أعضاء الفيلم الذي صدر عام 1939.
تُعرض إلى جانب ذلك أزياء من كلاسيكيات السينما، بينها الفستان القطني الأزرق للمغنّية والممثّلة الأميركية جودي غارلند الذي ارتدته في دور دوروثي جيل في فيلم "ساحر أوز" (1938)، وبدلة الكابتن لويس رينو العسكرية في فيلم "كازبلانكا" (1942).
عرائس الظل
وفي مسرح عرائس الظل، شكل آخر من أشكال الترفيه المرئي في القرن التاسع عشر يعود إلى عام 1820 نطالعه، وهو نموذج يستخدم مبادئ ومعرفة أولية جدّاً عن الضوء والظل. يتلاعب محرّك الدمى بالدمى أو الأشكال الوترية، والتي وُضعت بين مصدر الضوء والشاشة. يجري بعد ذلك إلقاء الظل الناتج على الشاشة، بينما تتحرّك الدمية أو تتحدّث أو ترقص جنباً إلى جنب مع السرد المصاحب أو الموسيقى المصمَّمة.