إلى أين سيأخذنا كلّ هذا؟

15 ابريل 2023
عمل للفنان التونسي إل سيد في أحد الأحياء المُفقَرة بالقاهرة، شباط/ فبراير 2023 (Getty)
+ الخط -

غريبٌ أن يتجاهل مثقّفٌ الحاضرَ، بينما اليوم يعاني حوالي 800 مليون شخص من سوء التغذية، وبينما للبشر الفانين عادةٌ سيّئة تتمثّل في تخصيص المعرفة، وليس مشاركتها، ناهيك عن العديد من نقاط ضعف البشرية: مثل أنّ المصالح القومية تميل إلى أن تسبق الصالح العام، ومثل أنّ البشر يمتلكون الكثير من الموارد، لكن لا يستخدمونها بشكل صحيح.

من ناحية، لدينا الكثير من الناس يعانون من الجوع، بينما تُشير بعض التقديرات إلى أنّ حوالي 25٪ من المواد الغذائية يتمّ التخلّص منها، بطَراً. لقد خذلتنا السياسة، وها هي الحكومات تضع المصالح الاقتصادية قبل ما يجب القيام به.

إنّ المسؤولية لَتَقع على عاتق السياسيّين. إنهم يعرفون ما يجب القيام به، لكن لا يمكنهم تنفيذ سياسات مفيدة، لأنهم غير قادرين على زعزعة المصالح المالية المكتسبة التي تقف وراء كلّ هذه المشاكل. لقد خلقت الإنسانية حضارةً رائعة. لدينا إنتاجية هائلة وقدرة عِلمية. إنما نحن غير قادرين على تغيير المسار. وكما نعلم، فشلت العديد من الحضارات: انظُر فقط إلى روما، أو الإمبراطورية الإنكليزية.

أليس من المُفجِع أن تتمتّع بعض الشركات العابرة للحدود بقوّة أكبر من العديد من الدول، ولا سيما الدول الصغيرة؟ وأنّه الآن يجري، أمام أعين المليارات من خلق الله، تنفيذ العولمة لصالح السوق؟ السياسة ثانوية، إنها متفرّج.

أليس من المُفجِع أن تتمتّع شركاتٌ بقوّة أكبر من العديد من الدول؟

وبالإضافة إلى التقدّم، يبدو جليًّا أن هناك أيضًا ميلًا بشريًا نحو التدمير، لأن البشرية تنفق ما لا يقل عن اثنين ونصف مليون دولار في الدقيقة على الأسلحة والجيوش. إنّه أحد أغبى الأشياء التي يمكن تخيّلها، أن يصبح تصنيع الأسلحة أداةً للدبلوماسية والتأثير؛ أن القوّة الاقتصادية التي لها تقودُ الحكوماتِ، لأن هناك مثل هذا اللوبي القوي للأسلحة؛ أنّ الكوكب، بيتنا، يحترق، ولا توجد مقترحات بيئية يمكن من خلالها تغيير الهياكل المختلفة، التي يعتمد عليها النموذج الحضاري الرأسمالي العالمي الحالي؛ وأنه، بدون هذا الفهم، سيكون من الصعب للغاية تقليل الآثار المتزايدة باستمرار لأزمة المناخ التي، إنْ لم توقَف، ستمثّل نهاية البشرية ومعها جميع بقايا الحياة على كوكبنا بأسره.

أليس البشر كائنات اجتماعية لا يمكنهم العيش في عزلة؟ منذ آلاف السنين، عاشوا في مجموعات. وفي نظام العدالة القديم، كانت أسوأ عقوبة - بعد عقوبة الإعدام - هي طرد الفرد من المجتمع، نفيه خارج القطيع. ألا تفعل هذا بالضبط، اليوم، الرأسماليات المتوحّشة؟

يقول شعب أيمارا، في واحدة من حِكَمه العليا، إنّ الفقير هو مَن ليس له مجتمع. وعليه، كَم من الفقراء في هذه المليارات الثمانية، التي تسعى في كلّ شقّ؟ وعليه، ألا يجب أن يكون الهدف المركزي للإيكولوجيا الاجتماعية والإيكولوجيا الاقتصادية والإيكولوجيا السياسية (يُنظر إليها على أنها أجزاء من الكل)، هو استدامة الحياة للبشر والطبيعة على حدّ سواء؟ إن لم نفعل، فإلى أين سيأخذنا كلّ هذا؟ وكيف يتفاءل مفكّرٌ أو شاعر وهو يتابع تفاصيل المشهد المكفهر؟


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية

62

المساهمون