إغلاق مكتبات "الشبكة العربية للأبحاث" في مصر: كيف تُهجّر المعرفة دون قرار رسمي

02 فبراير 2022
من فرع المكتبة في الإسكندرية قبل إغلاقها
+ الخط -

يُقال إنّ القراءة في العالم العربي هي اليوم في أدنى مستوياتها، وإن تأثير الكتب على العقول بات في حدودٍ دُنيا منذ عقود. في ظلّ هذا الوضع، أيُّ معنىً للتضييق على المكتبات ودفعها إلى الإغلاق؟ سؤالٌ يفرض نفسه مع إغلاق مكتبات "الشبكة العربية للأبحاث" في مصر؛ إغلاقٌ أُعلن رسمياً في السابع عشر من كانون الثاني/ يناير المنقضي، لكنّه جرى فعلياًَ قبل شهر من ذلك، من دون أن يجد الأمر تضامناً واسعاً أو اهتماماً كافياً من الساحة الثقافية.

كان شكل التضامن الوحيد تقريباً هو تَدوالُ عدد من المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتدوينة للناشر نواف القديمي، مدير "الشبكة العربية للأبحاث"، وفيها فسّر أسباب إغلاق فرعَيْ الإسكندرية والقاهرة. فإذا علمنا أن المكتبة كانت تركّز على الدراسات الفكرية والسياسية والنقدية والتاريخية كما لا تفعل أي مكتبة أخرى، سنجد أنّ هناك قصديّةً في تهجير هذا النوع من كُتب الفكر النقدي، لتَغرق سوق الثقافة في ما نراه من حولنا من كتب تجارية تُحبّ الأنظمة السياسية أن تجعل منها الطبق الرئيسي الذي يُقدّم للاستهلاك الثقافي.

هناك حرص ٌعلى إحكام إغلاق الباب دون ترك مجال للمحاسبة

يكتب القديمي: "بكلّ أسف، لم نستطع الاستمرار، وذلك لأسباب عدّة، منها التضييق الأمنيّ المستمرّ، والتحريض الصحافيّ، والتفتيش المتكرّر للمكتبات، ورفع قضيّة ضدّ 'الشبكة' وصاحبها بدعوى بيع كتب إثارة، والقلق على الموظّفين بعد احتجاز اثنين منهم ليومين، والرقابة المُشدّدة على دخول الكتب - إحدى شحنات الكتب التي أُرسلت إلى المكتبة من بيروت وضمّت تسعين كرتونة بقيمة تجاوزت الأربعين ألف دولار، بقيت مُحتجزة في الجمارك لعامٍ ونصف بحجّة تفتيشها ووجود كتب مخالفة -. نضيف إلى كلّ ذلك تراجع الوضع الاقتصادي وضعف المبيعات، خاصّة أن مكتبة 'الشبكة' تعتمد على بيع الكتب غير المحلّية، أي إنها لا تبيع كتباً صادرة في مصر؛ لذلك فكلّ كتبها تأتي من الخارج. ومع تشديد الرقابة وتعطيل الشحنات وصعوبة وصول الكتب إلى المكتبة، بات الاستمرار صعباً... مع التأكيد أنه لم يصدر قرارٌ أمني بالإغلاق، وإنما تم ذلك بقرار من 'الشبكة العربية'".

هكذا نفهم أن الأجهزة الأمنية باتت تقيم حساباً لاتّهاماتٍ منتظَرة بالتضييق على الثقافة، فتنتهج سُبُلاً جديدة تُفضي إلى النتائج ذاتها بإحكام إغلاق الباب دون أيّ فكر نقديّ ودون محاسبة. هل إلى هذه الدرجة تُزعج مؤلّفاتٌ معظمُها أكاديميُّ الطابع؟

يُذكر أن المكتبة الأولى لـ"الشبكة العربية للأبحاث" قد افتُتحت في مصر عام 2011، كنتيجة طبيعية لانفتاح البلد بعد "ثورة يناير". وها هو إغلاق المكتبات يأتي ــ غير بعيد من الذكرى الحادية عشرة للثورة المصرية ــ ليُظهر التراجع عن الكثير من الطموحات التي برزت في ميدان التحرير.

يقول القديمي في تدوينته: "كنّا في 'الشبكة العربية' نعتقد دوماً أن التواجد في مصر مهمّ وركيزة أساسية لأي عمل ثقافي عربي، أياً كان الوضع السياسي فيها، وأنه يجب السعي من أجل البقاء والاستمرار على الرغم من التراجع الاقتصادي والتدنّي المُستمر في سقف الحريات". لكنّ هذا الطموح لم يجد البيئة المواتية للاستمرار. يضيف القديمي: "لم نكن نتمنّى أن نصل إلى الإغلاق الكامل، ولكنّها أقدار الله، والظروف الصعبة التي حاولنا مقاومتها منذ سنوات، ولكن من دون قدرة على الاستمرار. ونحسب أن ذلك مجرّد تعثُّر بسيط وسط أعوام عربية تعجّ بالخسارات والتراجعات".

يُذكر أن إدارة "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، الذي تتواصل دورته الثالثة والخمسون حتى السابع من الشهر الجاري، لم تسمح لـ"الشبكة العربية للأبحاث" بالمشاركة، ولا حتّى بالحضور من خلال توكيل دار نشر أخرى. يمكننا أن نُسقط كلّ فرضيات التضييق السياسي الذي يقف وراء ممارسات كهذه. كما يمكننا أن نضع أنفسنا في وضعية طالب باحث عن المعرفة يزور "معرض القاهرة الدولي للكتاب" فلا يجد جزءاً كبيراً ممّا يُنتج من دراسات الفكر والبحث بسبب منْع كهذا، خصوصاً أن "الشبكة العربية للأبحاث" لا تمثّل نفسها فقط، بل تحمل توكيلات عدد كبير من دور النشر العربية التي تقدّم كتب الفكر النقدي.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون