في زاوية "إصدارات.. نظرة أولى" نقف على آخر ما تصدره أبرز دور النشر والجامعات ومراكز الدراسات في العالم العربي وبعض اللغات الأجنبية ضمن مجالات متعدّدة تتنوّع بين الفكر والأدب والتاريخ، ومنفتحة على جميع الأجناس، سواء الصادرة بالعربية أو المترجمة إليها.
هي تناولٌ أوّل لإصدارات نقترحها على القارئ العربي بعيداً عن دعاية الناشرين أو توجيهات النقّاد. قراءة أولى تمنح مفاتيح للعبور إلى النصوص.
مختارات هذا الأسبوع تتوزّع بين الدراسات التاريخية والسياسية والفلسفية والفكرية والنقد والرواية.
■ ■ ■
يصدر هذه الأيام كتاب "معنى الأشياء: رسالة في الجوهري من وجودنا المباشر" للمفكّر الفلسطيني الأردني فهمي جدعان (1939)، عن "المؤسّسة العربية للدراسات والنشر". على الغلاف نقرأ: "ما القول الذي يستطيع المفكّر، في حدود عقله التأمّلي، المعرفي والوجداني، أن يرسله، في مدى البقاء أو الفقد، كي لا تظلّ المدينة بلا أسوار، وكي يكون العمر الذي كان عمراً سيكون؟". من أعمال جدعان الأُخرى: "أسس التقدّم عند مفكّري الإسلام في العالم العربي الحديث"، و"خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية".
"الرقّ وتجارته في الخليج العربي 1908 - 1950: دراسةٌ في الوثائق البريطانية"، عنوان كتاب للباحث العراقي خالد السعدون، صدر عن "دار سطور". يتناول العمل مسألة العبودية في الخليج العربي كما تجلّت في النصف الأوّل من القرن الماضي، متتبّعاً أسباب نشوئها وتطوّراتها ومآلاتها، كما ينظر في ما ترتّب عليها من نتائج اجتماعية وثقافية. يشير السعدون إلى أنّ الجهد البحثي عربيّاً قلّما درس هذا الموضوع، وذلك من باب "الإغضاء عن أخطاء الماضي للإيهام بعدم حدوثها"، وهذا، برأيه، يؤدّي إلى إلغاء وظيفة التاريخ العِلمية.
"القرن السوفييتي: أركيولوجيا عالم ضائع"، عنوان كتاب للمؤرّخ الألماني كارل شلوغل صدر بترجمة رودني ليفنغستون إلى الإنكليزية عن "منشورات جامعة برينستون". يستكشف المؤلّف أبعاداً مختلفة من الحقبة السوفييتية التي يقول بأن أثرها لا يزال قائماً، مستعيداً معسكرات الاعتقال، ونظريات الاقتصاد المخطّط، ونظام السكك الحديدية، وصولاً إلى كتب الطبخ والأوسمة العسكرية، و"الموسوعة السوفييتية العظمى"، والكتابة على الجدران التي أصبحت موضوعاً اجتماعياً وثقافياً كشف لاحقاً عن الأوهام الطوباوية والترهُّل البيروقراطي.
للباحث الفرنسي جوناتان دوديه صدر عن "منشورات لارماتان" كتاب "صيدلية نيتشه: عن الفلسفة بوصفها طِبّاً". ينطلق المؤلّف من تلازُم الفلسفة والطبّ منذ ولادة الأُولى؛ حيث سعى المتفلسفون الأوائل إلى البحث بأدوات فلسفية عن طُرق للشفاء من آلام الروح والجسد، وهو مسعىً سيستكمله نيتشه الذي سيُعلن، في كتابه "العِلم المرِح": "ما زلت أنتظر ولادة فيلسوفٍ طبيب". يرى دوديه أنّ الفيلسوف الألماني هو نفسُه هذا الطبيب الذي كان يبحث عنه، مدلّلاً على ذلك بتحليلاته لمفاهيم الحقيقة والقيمة والسعادة والصحّة في فلسفته.
صدر عن "مركز دراسات الوحدة العربية" كتابُ "في معنى المكان: وحيٌ من دروس المقاوَمة المقدسية"، للباحث الفلسطيني بلال عوض سلامة. يُقارب العملُ الاستعمار الصهيوني بوصفه استعماراً إحلالياً يهدف إلى المزيد من السيطرة على الأمكنة الفلسطينية حيثما أمكن، وخصوصاً سياساته الإحلالية في القدس المحتلّة، والمتركزة في ثلاثة أمكنة: باب العامود عبر إحلال واستعمار الإدراك الحسّي والعقلي للمشهد البصري الفلسطيني، وحيّ الشيخ جرّاح عبر اجتثاث سكّانه وجعل البيت فيه بيئة غير آمنة، ومحيط المسجد الأقصى وساحاته.
بترجمة وتقديم بشير البعزاوي تصدر قريباً، عن "منشورات الجمل"، النسخة العربية من كتاب "مَنقَد ومشفى" للفيلسوف الفرنسي جيل دُلوز (1925 - 1995). يدرس دُلوز العلاقة بين الكتابة والصحّة النفسية، بين الأدب وبعض الأحكام المسبقة في الطبّ النفسي، متناولاً العديد من الكتّاب والفلاسفة، من أفلاطون إلى نيتشه وبيكيت، ومدافعاً عن أنّ الكتابة هي عملية تَشافٍ، وأنّ المرض لا يمنح الكاتب (أو المرء بشكل عام) هويةً، بل هو محض توقُّف في سيرورته التي لا تني أن تُستكمَل بعد ذلك، ما يجعل من الكاتب طبيباً لنفسه وربما لغيره.
عن "المركز القومي للترجمة" صدرت ترجمة عربية من كتاب "أهل التشريع وأهل التأويل: في الحداثة وما بعد الحداثة والمفكّرين" لعالم الاجتماع البولندي زيغمونت باومان، بتوقيع حجاج أبو جبر. يناقش العمل التغيّرات التي طرأت على دور المثقَّف في العالم المُعاصر منذ ثمانينيات القرن الماضي مع انهيار اليوتوبيا والأيديولوجيات، وتراجع خرائط الطريق التي من شأنها أن تصنع تحوُّلات جذرية تُفضي إلى المجتمع المثالي، عبر محاولة إيجاد معنى للعالم، الذي باتت حياة الإنسان فيه مهدَّدة لأسباب اقتصادية وسياسية وتفتقد إلى الأمان.
بتوقيع المترجم السوري الراحل نزار عيون السود صدرت عن "دار الرافدين" رواية "الكراسي الإثنا عشر" للكاتبَين الروسيَّين إيليا إيلف ويفغيني بتروف. تُعدّ الرواية، الصادرة عام 1928، من الأعمال البارزة في الأدب الروسي الساخر، حيث تتناول الأوضاع الاجتماعية والسياسية في الاتحاد السوفييتي بأسلوب تهكّمي ضمن حبكة من المغامرات. حُوّلت الرواية إلى فيلم سينمائي في الثلاثينيات، وأصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي قراراً بحظرها عام 1948، وهو الحظر الذي استمرّ حتى وصول خروتشوف إلى الحُكم في الخمسينيات.
عن "مؤسَّسة ميسلون" صدر كتاب "علم الأدب المقارن: شرق وغرب" للناقد الروسي فيكتور جيرمونسكي، بترجمة غسان مرتضى. يُقدِّم جيرمونسكي (1891 - 1971)، دراساتٍ في مساهمات المدارس الأوروبيّة المختلفة في بناء نظرية الأدب المقارن منذ نشأته وحتى منتصف القرن الماضي، متوقّفاً عند آداب مكتوبة بلغات عديدة في الشرق والغرب: من العربية واليونانية والفارسية والتركية إلى الروسية والألمانية والفرنسية وغيرها، مؤكّداً أنّ التشابهات الأدبية لا حدود لها بين الشرق والغرب، ما يدلّ، بحسبه، على وحدة سيرورة التطوُّر البشري.
"الصديقتان"، عنوان رواية للكاتبة البريطانية من أصل باكستاني كاملة شمسي (1973)، صدرت عن "دار التنوير" بترجمة الحارث النبهان. يروي العمل قصّة زهرة ومريم، اللتين جمعتهما صداقة منذ طفولتهما في مدينة كراتشي، رغم الاختلافات بينهما، والتي يضعانها جانباً. بعد ثلاثين سنة، تُصبحُ الطفلتان امرأتَين نافذتَين في لندن، وبظهور شخصيّتَين من ماضيهما، يُصبح لازماً عليهما مواجهةُ اختلافاتهما لتعرفا إذا ما كانت صداقتُهما قادرةً على الاستمرار. من أعمال شمسي التي تُرجمت إلى العربية: "الظلال المحترقة"، و"نار الدار".
للباحث المغربي عزيز الحدادي يصدر قريباً عن "دار خطوط وظلال" كتابٌ بعنوان "متعة الحبّ". يتناول العمل ظاهرة الحبّ في سياقها الوجودي، من حيث أنّ الألم الكامن في هذه التجربة الشعورية والحسّية يقدح في الذات بهجة السعادة. كما يعود المؤلّف إلى المقولة الشائعة حول "معنى الحياة بلا حبّ"، ويعتبرها مؤسِّسة لنواة العلاقة بين الذات والآخر. صدرت للحدادي عدّة مؤلَّفات في الفلسفة والدراسات الفكرية، من بينها: "ابن رشد وإشكالية الفلسفة السياسية في الإسلام"، و"أزمة الفكر العربي وأسئلة الميتافيزيقيا"، و"متعة الفلسفة".