في عام 1943، قرّر إدواردو تشييدا دراسة الهندسة المعمارية في "جامعة مدريد" بعد إصابة في ساقه أنهت مستقبله كلاعب كرة قدم محترف في "نادي ريال سوسيداد" ممثّل إقليم الباسك الذي ينتمي إليه، ومنذ ذلك الوقت انصبّ اهتمامه على تلك المساحة التي يتحرّك خلالها الجسد وكأنه ينتظر كرة تصوّب عليه.
وشكّلت المشاهد الطبيعية لجبال البيرنيه الوعرة موضوعاً أساسياً في أعمال النحّات الإسباني (1924 – 2002)، حيث حاكى تلك التحدّبات والنتوءات في تضاريس تخلق تنويعات متعدّدة لانعكاسات الظل والنور عليها، كما ركّز على نقطة التقاء الجبل بخطّ الساحل حيث يبدو أن الزرقة تلتهم البرّ واليابسة.
حتى الثالث من كانون الثاني/ يناير المقبل، يتواصل المعرض الاستعادي لتشييدا في غاليري "هاوزر وويرث سومرست" بلندن، والذي افتتح في السادس والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، ويضيء إسهاماته في تجديد اللغة البصرية للنحت ما بعد الحرب العالمية الثانية.
تبرز الأعمال المعروضة التي يعود أقدمها إلى نهاية الأربعينيات، كيف استطاع الفنان تطوير أسلوب يعتمد على تقاليد صناعة الحديد في منطقته الباسكية، والذي استخدم على نطاق واسع خلال القرون الماضية في تشييد الجسور والعديد من واجهات المباني، ما طوّر تقنيات الحدادة المستخدمة عبر إظهار تفاصيل معقدة في التعامل مع مادة الحديد.
يشير المنظّمون إلى مفهوم "الضوء الغامق" الذي نظّر حوّله تشييدا في حديثه عن الهوية الباسكية التي اعتقد أنها تشبه تلك العتمة التي تعكسها مياه المحيط الاطلسي عند نهاية انحدار المرتفعات في الباسك نحو الماء، خلافاً لذلك النور الأبيض الذي يتراءى على صفحة مياه البحر المتوسط، موضحاً أن الباسكيين مجبولون من ذلك الضوء الغامق.
يضمّ المعرض سلسلة منحوتات "الأرض" التي نفّذها النحّات من الطين، وتحتوي على شقوق وأخاديد تذكّر بالصخور المتآكلة في الطبيعة، كما تبدو المنحوتات البازلتية المعروضة أقرب إلى جسد الإنسان منها للطبيعة حيث تتشكّل على هيئة أصابع وبدين وقدمين، ضمن تكوينات بسيطة ظلّت ملازمة لتجربة تشييدا حتى رحيله.
إلى جانب منحوتاته، تعرض رسومات وضعها بدقة وإتقان توضّح رؤيته وحالته المزاجية التي سيطرت عليه، حيث يشبّهّها بعض النقّاد بأنها تمثيل للعقل الذي تعبّر عنه قوّة الجسد أو طاقته التي حوّلها من كرة القدم إلى الفن، وتظهر أيضاً في الرسومات عناصر أساسية مثل النوافذ السوداء في الجدران البيضاء، والنوافذ المضاءة بجدران سوداء، ومصبّات الأنهار والأعمدة السوداء.