للموسم الرمضاني الثاني على التوالي، يُواصل برنامج "إتقان"، الذي يبثّه "تلفزيون قطر"، تتبُّعه لأوجُه الإتقان في الحضارة العربية الإسلامية منذ فجرها وإلى اليوم. كانت القدس وجهة البرنامج، الذي يُعدّه ويقدّمه علي بن طوار الكواري، في أكثر من حلقة من حلقات الموسم الجديد؛ للإضاءة على المعالم الأثرية في المدينة الفلسطينية المحتلّة.
تبدأ حلقةٌ خُصّص الجانب الأكبر منها للمسجد الأقصى بالإشارة إلى الخلط الذي يقع فيه الكثيرون بين المسجد الأقصى والمسجد القبلي وقبّة الصخرة؛ فالمسجد الأقصى يتربّع على مساحة 144 ألف متر مربَّع، يضمّ قرابة 200 مَعْلم، وله أربع مآذن، هي: مئذنة باب المغاربة ومئذنة باب السلسلة ومئذنة باب الغوانمي ومئذنة باب الأصفاد. ويتكوّن من سبعة مصلّيات؛ هي الجامع القبلي الذي بناه عمر بن الخطّاب في بداية الفتح الإسلامي بمساحة 4 آلاف متر مربّع، والمصلّى المرواني الذي بناه الأمويون بمساحة 3800 متر مربع، إضافة إلى مصلّى الأقصى القديم، ومسجد قبة الصخرة ــ أحد أهمّ الصرُح المعمارية الإسلامية، والذي بناه عبد الملك بن مروان ــ ومسجد البراق، ومسجد المغاربة الذي يقع جنوبي حائط البراق، وجامع النساء الذي يقع داخل المسجد الأقصى ويمثّل الجزء الجنوبي الغربي منه، ويحتوي 15 باباً؛ عشرةٌ منها مفتوحة.
يتحدّث الكوّاري، في الحلقة، إلى بسّام الحلّاق؛ المهندس الذي يعمل في المسجد الأقصى منذ أكثر من أربعين عاماً، والذي يُخبرنا بأنّ مبنى قبّة الصخرة يتألّف من قبّتين: خارجيةٌ عليها ألواح من النحاس المذهَّب؛ حيث طُليت الألواح بقرابة ثمانين كيلوغراماً من الذهب، حتّى تُحافظ القبّة على لونها الذهبي المعروف، وداخليةٌ مصنوعة من الخشب وعليها زخارف إسلامية تمثّل وصفاً للجنّة. والزخارفُ تُجسّد مزهريةً فيها أنواعٌ مختلفة من الفواكه، واستُخدمت فيها عدّة ألوان مثل الأحمر والأخضر والأصفر والذهبي؛ حيث استُخدم ذهب خالصٌ من عيار 24 قيراط للحفاظ على الزخارف وإطالة عمرها.
كان أبو خليل في التاسعة حين أضرم مستوطنٌ حريقاً في الأقصى عام 1969
وتتألّف القبّة من ثماني أضلاع مكسية بالرخام المزخرف من الداخل والخارج، ويبلغ طول كلٍّ منها عشرين متراً مربّعاً. أمّا المبنى، فيضمّ أربعة أبواب رئيسية ونافذتين، وتعلو القبّةَ من الداخل "رقبةٌ" فيها ستّة عشر شبّاكاً جصّياً معشّقاً.
كان الحلّاق في التاسعة من عُمره حين أقدم مستوطن إسرائيلي على إضرام حريق في المسجد الأقصى في 21 آب/ أغسطس 1969. يستعيد "أبو خليل" تلك اللحظة التي بدأت عند السابعة والثلث صباحاً، قائلاً إنّ ألسنة النيران أصبحت تخرج من نوافذ قبّة الأقصى بعد دقيقتَين فقط من اندلاع الحريق؛ ما يدلُّ على حجم الحريق الذي يقول إنّه دمّر ثلاثة أرباع المسجد؛ حيث اختفى السقف تماماً وصار بإمكان مَن يقف داخله أن يرى السماء.
ويذكُر الحلّاق أنّه جرى إخماد الحريق بفضل تعاوُن سكّان القدس، بينما منع الاحتلال إطفائيات المسجد الأقصى، التي كانت موجودة على بُعد كيلومترين منه، من الوصول إليه. ويضيف أنّ لجنةً شكّلتها دائرةُ الأوقاف، حينها، أكّدت أنّ الحريق كان بفعل مستوطن من أصل أسترالي، داحضةً بذلك ادّعاءات الاحتلال بأنّه كان نتيجة تماس كهربائي.
قصّةٌ أُخرى ينقلها البرنامج من القدس؛ بطولتُها هذه المرّة لسيّدة فلسطينية ومبنيين. أمّا المبنيان، فهُما كنيسةُ القيامة ومنزل صلاح الدين الأيوبي، وأمّا السيّدة، فهي سائدة العلمي، التي تحوز عائلتُها ملكيةَ المبنيَين منذ 900 عام، وذلك أنّ سطحَ الكنيسة مربوطٌ بالمنزل. تبلغ قيمة المنزل التاريخي، الذي أهداه صلاح الدين الأيوبي لعائلة العلمي قبل أن يرحل إلى الشام، ملايين الدولارات، لكنّ الوريثة الفلسطينية تؤكّد أنها ترفض بيعه عملاً بوصية والدها. وحتّى تضمن عدم بيعه بعد رحيلها، عمدت إلى جعله وقفاً في عهدة إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى.