منذ عقدٍ من الزمن وصدور ألبوم جديد لإبراهيم معلوف بات تقليداً سنوياً. بل إنه تقليدٌ نصف سنويّ في أعوام مثل 2018 و2015، حيث شهد كلٌّ منهما صدور ألبومين له. بعد "40 ميلودي"، الذي أطلقه العام الماضي احتفاءً بدخوله عامه الأربعين (مواليد 1980)، ها هو الموسيقي وعازف الترومبيت اللبناني ـ الفرنسي يعود مع "عيد ميلاد أوّل"، ألبومه الثالث عشر، الذي يأتي قبل أيام من عيد الميلاد، وهو الموضوع الذي يدور الألبوم حوله.
بهذا، يستكمل صاحب "الريح" (2012) الخطّ الذي تنتظم من خلاله أعماله في السنوات القليلة الماضية، حيث يكاد كلّ قرص جديد له يقدّم تنويعاً حول ثيمة واحدة: من استعادة رموز نسائية وفنية، وخصوصاً من العالم العربي، في ألبومه "كلثوم" (2015)، إلى القرص الذي نوّع فيه على أعمال لداليدا في 2017، وصولاً إلى ألبوميه الأخيرين، اللذين يتّخذان ملامح أكثر شخصيةً وحميميةً ممّا مضى.
فالألبوم الأخير، كما يشير الفنان في بيان صدوره وفي لقاءاته الصحافية الأخيرة، يمتح من ذاكرة معلوف واحتفالاته، طفلاً وصبياً، مع عائلته بأعياد رأس السنة التي يذكّر برغبة والده بعدم الاحتفال بها ضمن أجواء من البذَخ، خصوصاً بسبب أجواء الحرب الأهلية اللبنانية التي كانت تخيّم على سنوات الصّبا تلك بالنسبة إلى معلوف. تقشُّفٌ شكّل عنده رغبة في الاحتفال بالمناسبة على طريقته، وقد انتظرت هذه الرغبة سنوات طويلة قبل أن تظهر في عمل. كما أن العمَل يأخذ ملامح شخصية أيضاً لأنه مهدىً إلى ابن معلوف، الذي ترى عيناه، هذا العام، أوّل عيد ميلاد في حياته، وإلى جدّته التي توفّيت عن 99 عاماً هذه السنة، والتي شاء أن يسجّل قسماً من مقطوعات الألبوم في الكنيسة التي شُيّعت فيها.
ربما يكون الألبوم الجديد أكثر أعمال معلوف شخصيةً وحميمية
يضمّ "عيد ميلاد أوّل" (إنتاج "مستر إب"، الشركة التي يملكها معلوف وتدير أعماله منذ ألبومه الأوّل في 2007) 28 مقطوعةً تحتفي باحتفالات عيد الميلاد، حيث يؤدّي، على طريقته وفي توزيع موسيقيّ جديد في الغالب، 25 من أشهر المقطوعات الاحتفائية بهذه المناسبة، إضافة إلى ثلاث مقطوعات جديدة، من تأليفه. وقد شارك الفنانَ، في أداء المقطوعات، كلّ من الفرنسي فرانسوا ديلبورت (غيتار)، والسويدية صوفي جانين (صوت)، والألماني فرانك ويست (بيانو).
يكفي أن يعرف المرء أن مشروع معلوف الجديد يأخذ هذا الشكل الاستعاديّ لمقطوعات معروفة جداً حتى يفكّر بألبومه الجديد بوصفه تحدّياً: إذ ما الذي يمكن أن يُضاف، اليوم، إلى أعمال مطروقة جدّاً مثل "جنغل بيلز" لجيمس بيروبنت (1822 ــ 1893)، التي تعرفها أُذن كلّ كبير وصغير، أو "سلامٌ عليكِ يا مريم" لـ شارل جونو (1818 ــ 1893)؟ على أن العازف اللبناني يُظهر قدرته على نفْخ روحه الخاصّة في أعمال كهذه، مضيفاً لمسةً معاصرة إلى ما هو تراثيّ، ومعيداً صياغة الميلودي ضمن فهمه الزمنيّ الخاص لكلّ مقطوعة، مع استدعاء للجاز إلى بعض الأعمال التي لم يسبق لها أن لُعبت على هذا اللون.