يتكئ إبراهيم خطاب في مجمل معارضه الذي أقامها في السنوات الأخيرة على مؤثرات فرعونية يعيد إنتاجها في أعماله التي يجمع فيها بين الرسم وفن الفيديو والإنشاءات، مبرزاً فيها التفاصيل والتباين اللوني الذي يمنح عمقاً للعمل وإحساساً بتراكم الزمن.
في معرضه "ذاكرة حيّة" الذي نُظّم العام الماضي، ركّز الفنان المصري (1984) على تلك النقوش التي تُحفر على صخور أو شجر من أجل تخليد ذكريات المحبّين، التي تتراكم طبقات اللون على العلامات أو الإشارات التي تركوها وراءهم، ضمن دمج بين الطبيعة بتفاصيلها المتعرّجة والمتلوّية وبين الحروفيات باعتبارها تناظراً شكلياً لها.
لا يبتعد خطاب عن هذه المناخات في معرضه الجديد "حقول السماء" الذي افتتح عند السادسة من مساء أمس الخميس في "غاليري سفرخان" بالقاهرة، ويتواصل حتى الثامن عشر من الشهر المقبل، لكنه يبحث في ثيمات مختلفة تتصل ببعد روحاني.
يعود الفنان إلى ممارسة تنتمي إلى الحضارة المصرية القديمة، ويطلَق عليها "سما – تاوي" وتعني "اتحاد الأرضيين"، والمقصود هنا ليست الكتل الأرضية المادية ولكن اتحاد الطبيعة العليا والسفلى للكيان البشري، وهي حالة صوفية يصل فيها المرء إلى مركز أعلى من التنوير غير المادي عن طريق إعادة اكتشاف روحانية الضوء السماوي من السلطة المطلقة، وتبيّن الكتابات الفرعونية أنه بدأ القيام بها قبل ثلاثة آلاف ومئتي عام قبل الميلاد.
يشير بيان المنظّمين إلى أن "هذا الضوء يمكننا من معرفة القوة الروحية التى يزعم خطاب أنها فطرية للبشر، ومع ذلك لا يمكننا أن نأمل في تحفيزها عندما نكون مُستهلكين في المجال الزمني المادي"، وهي استعارة لانتقال الإنسان المصري من الفوضى إلى النظام.
تَبرز العناصر البشرية في لوحات المعرض محجوبة بحاجز من الضوء عبر معالجتها بعدّة طبقات من اللون، فلا تتّضح كامل تفاصيل أجسادهم، وهم يرتدون ملابس بيضاء، وينظرون إلى الأفق، حيث ثالوث الأرض والحيوان والإنسان يتوحّد عبر صعود الروح إلى الأعلى، حيث الأشجار الخضراء العالية تتحلّق حولها طيور الإوز والبشروش الذي يمثّل الروح وطائر البنو وغيرها، وهي تتمازج مع زرقة البحر حيث الأسماك طافية فوقها في مشهدية واحدة تختزل كلّ هذا السمو.