أمام المِرآة

28 نوفمبر 2020
عبد اللطيف اللعبي (تصوير: سيريل شوباس)
+ الخط -

صوْتي
لا يَنِي يُردِّدُ على مسامعي:
لستَ مُجْبرًا أن تكتُبَ
وهُو مُحِقٌّ تمامًا
لكنّها يَدي
لا تنفكُّ
تُساوِرُ الصّفحة


بما أنّ اليدَ قصيرةٌ
أُدَوِّنُ هذي النُّتَف
كي لا يتعفّنَ الجسدُ والرُّوح
قَبْل القِطاف


أَنَّى حَلَلْتُ
يُلازِمُني الخطر
أَيُّ طريدةٍ أَنا
وَلِأَيِّ مُفتَرِسٍ؟


كَمْ من قضبانٍ تُسَوِّرُني
بينما أنا 
على ما يبدو
حُرٌّ كالهواء


لكثرة ما لعبتُ بالنّار
أحرقتُ أصابعي
وأَجْنِحَتي
وذلك العُضْوَ الموصوفَ بـ"العَوْرَة"
في لُغتي الأمّ


كي أتخلّى عن أحلامي
يلزم بدْءًا أن أجدَ
الفرْدَ
أو الشَّعْبَ
الذي أستودِعُها إيّاه
بكُلّ اطْمِئْنان


الآن
عندما أخْطو
أشعُر أنّ الحياةَ
تَحتضِنُ يدي
كما لو كنتُ
طفلًا


في ما مضى
كنت أكْدِم روحي
أمّا اليوم
فعند أدنى صدمةٍ
تَظْهَرُ الكَدَمات 
على جِلْدي


أنام داخل جسدي
وأستيقظُ
بِجانبه


كَمْ أشعرُ بالوحدة
في أحلامي


فُرَصُ الضّحك مع الآخرين
أضْحَتْ نادرةً
لذا أَضْحَكُ
مع نفسي


رويدًا رويدًا
تُغادِرُني اللّذّات
أراها تبتعد
بابتسامةٍ ساخرة


أمام المرآة
يمنعُني شُرودي المُمْعِن 
مِنْ أَنْ أتبيَّنَ حقًّا
صورَتي


مُذْ كنتُ صغيرًا
جالسًا على دَكَّةٍ من حجر
أو مُستلقيًا على غيمةٍ
كنتُ أتتبّعُ الرّائح والغادي
بَشَرًا وَبِهامًا
مع إحساسٍ ثقيلٍ لا يتحمّلهُ عُمُري 
بأنّني غَيْرُ مَوْجود
 

السؤالُ الدّائم
طُرِحَ عَلَيَّ مؤخّرًا من جديد:
­ لو عادَتْ عقاربُ الحياةِ إلى الوراء
ماذا كنتَ ستخْتارُ أنْ تكون؟
 امرأةً، قلتُ، عفوية مُدهشة­


راعٍ
بُستانيٌّ
سَرّاجٌ
بَرّاحٌ
ناسِكٌ
عالمُ فيزياء فلكيّةٍ...
كَمْ موهبةً أضعْتُ!


يَدي الممدودة
يَدي المفتوحة
وهي تنْغَلِق
على الفراغ القارس


حياةٌ بديلة
كما سبق وأن اقْتَرَحْتُ
ثمَّ، لِمَ لا
موتٌ مرغوبٌ فيه
ولكنَّ الأمثلَ
الأكثر إنصافًا
هو أن يختار المرء بين أن يُولَدَ
أو لا يُولَدْ


تبًّا للسّعادة
إنّي أسبحُ أفضل
في موْج 
الوَهجِ الهارب.


ترجمة عن الفرنسية: محمد خماسي


إشارة

في ديوانه الشعري الجديد "نُتَفٌ لا غَير"، الصادر بفرنسا عن دار كاستور أسترال، يعلن الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي وصاياه. وكأنما يبدو متقبّلًا، بيقينٍ بارِدٍ وإيمانٍ مُحايدٍ، لبداهة أنَّ البشر إلى زوالٍ، وبعدنا سيبقى الأثر. لذا لا يتردّد الشاعر المغربي في أن يقف عاريًا "أمام المرآة" مُعلنًا وصاياه القلقة على العالم بطمأنينة نادرة، متشبّثًا بالحلم متخفّفًا من نبرة الحكماء. فالحديث عن الموت والرحيل يتمّ بخفّة مُسلِّية. والنُّتف الشعرية التي ينثرها اللعبي بحساسية مذهلة تبدو على درجة تقريبيّة جدًّا، وقريبة أيضًا من التحقّق. وهو ما يفتح القراءة على اللحظات الأساسية والقضايا المصيرية للوجود. في ما يشبه معركة أخيرة، ضارية وأنيقة في نفس الآن، من أجل قطف زهرة المعنى وانتزاع جمرة الأمل.

الأرشيف
التحديثات الحية
المساهمون