تقف هذه الزاوية عند مترجِمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المُختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. "على الجهات المَعنيّة بالثقافة العربية في العالَم العربي، أن تشجّع المُترجِمين ودُور النشر الأجنبية أكثر"، تقول المترجمة الصربية في حديثها إلى "العربي الجديد".
■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
- بدأت حكايتي مع اللغة العربية في التسعينيات، عندما التحقتُ بقسم اللغة العربية في كلية اللغات والآداب بـ"جامعة بلغراد" في صربيا. وبعد انتهاء الدراسات العليا بدأتُ أدرِّس في نفس القسم موادَّ مختلفة في مجال اللغة العربية والترجمة.
■ ما أول كتاب ترجمتِه وكيف جرى تلقيه؟
- أول كتاب ترجمتُه هو رواية "نقطة النور" للروائي المصري الراحل بهاء طاهر. ومن حُسن الحظّ، سمحت الظروف بأن يأتي الأستاذ بهاء إلى بلغراد بعد نَشْر الترجمة الصربية بأشهر قليلة لتقديم روايته للجمهور الصربي. ومناقشتُه تلك وحضورُه هما ما ساعد على تلقّي الرواية الإيجابي، وتسليط الضوء عليها. كما ألقى محاضرة في كلية اللغات والآداب إلى الطلبة والأساتذة في قسم اللغة العربية خلال زيارته تلك.
■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
- آخر إصداراتي المترجَمة عن العربية رواية "أخيلة الظلّ" للكاتبة المصرية منصورة عز الدين عام 2019، وحالياً أقوم بترجمة كتابَين: "رسالة ابن فضلان: في وصف الرحلة إلى بلاد التُّرك والخزر والروس والصقالبة"، ورواية "حطب سراييفو"، للكاتب الجزائري سعيد خطيبي.
من المؤسف اعتيادنا البحث عن المعرفة في حواضنها الغربية فقط
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجمة من اللغة العربية؟
- بما أنّ الترجمة لا تنطوي على اللغة فحسب، بل أيضاً على ما يُعَبَّرُ عنه من الأفكار والمفاهيم عن طريق اللغة، فدائماً أُواجِه تحدّياتٍ مُعيَّنة عند ترجمة وشرح مفاهيم الثقافة بمعناها الواسع. ولكنّني أستمتعُ في هذا الجانب من عملية الترجمة مثلما أستمتع في كلِّ خطوة من هذا الرقص العجيب مع النص الأدبي الذي أُترجمه. ولكنّ ما أجده عقبةً كبرى يتمثّل في أنّ لي قائمة أعمال أدبية تطول وتتزايد أُريد ترجمتها، ولا أجد لها وقتاً كافياً، مع أنّ الترجمة هي النشاط الذي يملأ يومي وأشعرُ من خلاله بأقصى ابتهاج.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظرين إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- للأسف، لمئات السنين اعتدنا على ألّا نبحث عن المعرفة إلّا في حواضنها الغربية، نتيجة أسباب وظروف تاريخية شتّى. ولا أرى حلّاً بديلاً عن هذه الوضعية، سوى أن تتحرّك الجهات المَعنيّة بالثقافة العربية في العالَم العربي، وتأخذ على عاتقها أمر ترجمة وتوزيع الإنتاجات المعرفية، عَبْر تشجيع وتمويل مشاريع الترجمة وبالتعاون مع المترجِمين ودُور نَشْر أجنبية.
■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلعين إليه؟
- بجانب التعاون الشخصي مع مُعظم الكُتّاب الذين ترجمت أعمالهم، عندي تعاون مع "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، وخاصة مع نائب رئيس الهيئة العامة، الباحث أحمد بهي الدين العسّاسي. وأنتج هذا التعاون عدداً لا بأس به من الفعاليات التي تخصُّ تقديم وتلقّي الأدب المصري المترجَم في صربيا في "معرض بلغراد للكتاب" عام 2019. كما أنّ اثنتين من ترجماتي صدرتا بمساعدة منحة الترجمة لـ"صندوق منحة الشارقة للترجمة". بطبيعة الحال، أنا أُرحّب بكلّ شكل من أشكال التعاون، وخاصة ما يُمكنه إتاحة فرصةٍ للمُترجِمين للمشاركة في ورشات تدريبية مُختلفة، وتبادُل الأفكار مع المترجِمين الآخَرين إضافة إلى مشاركتهم المباشرة في صياغة مشاريع الترجمة، فالمترجمون هم المُحرّك الحقيقي لترجمة الأدب العربي، وليسوا وسيلة لتنفيذها فحسب، ولو أنّهم عادةً يبقون في الظلّ.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- من الصعب تحديد وإحصاء المزايا الأساسية للأدب العربي. كلّ أدب راقٍ يُتيح فرصةً للقارئ أن يعيش ألف حياة، وألف حبّ وألف موت، وأن يرى عوالم نائية وعجيبة، وأن يسكن أماكن غريبة وأزمنة بعيدة؛ واقعية كانت أم من نسْجِ الخيال، وهذا حال الأدب العربي بكلّ جمالياته الفريدة. وبرأيي لا تُوجد طريقة مُثلى للتعرُّف على ثقافات أُخرى، وعلى تراثها الفكري المُرصّع بالإبداع الأدبي، وكثيراً ما يبدو لي أنّني تعلّمتُ كلّ ما أعرفه من خلال قراءة الأدب. لذلك أجدني محظوظة لأن أكون صلة وصل بين الأدب العربي والجمهور الصربي.
بطاقة
مُترجِمة وباحثة صربية من مواليد بلغراد عام 1972. تعمل أستاذةً مساعدة في كلية اللغات والآداب بـ"جامعة بلغراد". ترجمت من العربية إلى الصربية أعمالاً أدبية وروائية، منها: "نقطة النور" (2003)، و"خالتي صفيّة والدير" (2005) لبهاء طاهر، و"مالك الحزين" لإبراهيم أصلان (2006)، و"ملامح القاهرة في 1000 سنة" لجمال الغيطاني (2007 و2019)، و"الزيني بركات" لجمال الغيطاني (2008)، و"دروز بلغراد" لربيع جابر (2013)، و"جمنازيوم" لمي خالد (2018)، و"هذا الأندلسي" لبنسالم حميش (2018)، و"حكايات يوسف تادرس" لعادل عصمت (2019)، و"أخيلة الظلّ" لمنصورة عز الدين (2019).