استمع إلى الملخص
- ينتقد ديفيد موقف الحكومة الإسبانية تجاه فلسطين، مؤكدًا على أهمية شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الوعي وضرورة الضغط الدولي لفرض عقوبات على إسرائيل لوقف العنف.
- يدعو إلى دعم المقاومة الفلسطينية عبر حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، معبرًا عن حبه العميق لفلسطين وإيمانه بأن الصمود والنضال سيؤديان إلى انتصارها.
تقف هذه الزاوية مع أصدقاء فلسطين في العالم، مثقفينَ ومبدعين وناشطين في المجالات المختلفة، ومتضامنين مع قضيتها التي تُمثِّل قيم العدالة والتحرّر ومقاومة الاستعمار. "أنا أعتبر فلسطين بيتي وثقافتي" يقول الناشط الإسباني لـ "العربي الجديد".
■ كيف عرفت لأوّل مرّة عن القضية الفلسطينية وكيف بدأت علاقتك بفلسطين؟
- هنا، في الغرب، لطالما سمع المرء بالمصطلح الخاطئ الذي يُدعى "الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني". القصف الإعلامي المستمرّ الذي يحاول توطيد السردية الإمبريالية الاستعمالية، تساؤلي الدائم عن كلّ ما هو ثابت وقائم، وحبُّ الاطلاع على التاريخ وتطوير الفكر النقدي، تلكم أمور اجتمعت في داخلي وأثارت فضولي كي أوغل في القضية الفلسطينية، بدءاً من عام 2000، تزامناً مع بدء الانتفاضة الثانية، ولم يكن ذلك محض مصادفة.
أمّا في ما يخصُّ علاقتي المباشرة بفلسطين، فأستطيع القول إنّها بدأت عندما قرّرت أن أدرس اللغة العربية. ويعود الفضل في ذلك إلى الموضوعات التي كنّا نعالجها في الفصل، هكذا راح ينمو في داخلي واجب دعم قضية شعب يناضل من أجل حريته، بقليل من الدعم، أو دون دعمٍ على الإطلاق. اليوم لا أجد قضية أنبل وأعدل نناضل من أجلها، لأنَّ القضية الفلسطينية رأس حربة نضال شعوب العالم المضطهدة كلّها من قبل الإمبريالية المتجسّدة في "حلف شمال الأطلسي" ومشروعه الاستعماري، إضافة إلى الكيان الصهيوني وأذرعه المسلّحة.
■ هل زرت فلسطين وما الانطباعات التي تكوَّنت لديك في الزيارة؟
- أفخر بالقول إنّني لم أزر فلسطين فحسب، بل عشت فيها أيضاً، وأشعر أنّني جزءٌ منها. لقد كان من حسن حظّي أن أعيش في فلسطين خلال العام الدراسي 2015 - 2016، عندما كنت طالباً في جامعة بيرزيت. عشتُ ليالي رام الله، رافقت عائلة أبو حلاوة لقطف الزيتون في بيت فوريك، ركضت في ماراثون فلسطين ببيت لحم، ركبتُ الدرّاجة الهوائية على طريق رام الله - أريحا. الآن عندما أتذكّر هذا كله، أتساءل: لقد كانت فلسطين بهيةً ورائعةً آنذاك، ولكن كم ستكون جميلة وبهيّة دون وجود كيان الاحتلال الصهيوني؟
■ جرائم إبادة عديدة حصلت في القرن العشرين والقرون الماضية، لكن قد تكون المرّة الأولى التي يتاح للعالم فيها "مشاهدة" إبادة جماعية عبر الشاشات والهواتف الذكية لأشهر متتالية... كيف يمكن التعامل مع هذا الواقع وما شعورك الشخصي نحوه؟
- لا شكّ أنّنا نعيش لحظة تاريخية حاسمة، إذ إنّنا لا نشاهد فيلماً وثائقياً أو لعبة فيديو، بل إنّنا للمرّة الأُولى، نرى جريمة إبادة جماعية على شاشة التلفزيون في الوقت الحقيقي. ولديّ خوفٌ محدّد، وربّما هنا سأتناول الناحية النفسية لما يحدث، انطلاقاً من اختصاصي في علم النفس.
ثمّة عملية من الاعتياد تحدث عند الناس عموماً، إن لم تكن قد حدثت بالفعل. إنّ التعرّض المتكرِّر للمحفّز نفسه يُحدث انخفاضاً في الاستجابة. مع ذلك ثمّة حالاتٌ أُخرى يحدث فيها العكس. فبدلاً من اعتياد الأمر، نتفاعل بقوّة متزايدة معه، ما يؤدّي إلى زيادة في الاستجابة. وهذا ما يُعرف بالوعي.
ولكن، علام تعتمد آليات الاستجابة هذه؟ هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ كلتا العمليّتين لا تستعبد إحداهما الأُخرى. في الواقع، عادةً ما تبدآن في الوقت نفسه، إضافة إلى عوامل أُخرى مؤثّرة مثل الحالة المزاجية والتعب ودرجة التماهي مع الأمر، تصبح شدّة المحفّز مهمّةً للغاية. وهنا يكمن مفتاح ما أريد أن أقوله. الآن، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، أصبح من الضروري استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لمشاركة الفظائع، رغم قساوة صورها، التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيو-نازي في فلسطين. وأقول شبكات التواصل الاجتماعي لأنّ إعلام "المؤسّسة" وهدفه صارا معروفين. يجب توعية الناس العاديّين لمواصلة الضغط على الحكومات والمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، فضلاً عن حظر الأسلحة وفرض العقوبات على الكيان الصهيوني.
لا أجد قضيةً أنبل من القضية الفلسطينية نناضل من أجلها
■ كيف تلخّصُ موقفَ حكومة بلدك من القضية الفلسطينية عموماً، وكيف تشعر حيال هذا الموقف وإلى أي درجة يُمثّلك؟
- إنّ الاعتراف الأخير بفلسطين من قبل الدولة الإسبانية خطوة صغيرة، وهي غير كافية من وجهة نظري. كأنّ فلسطين لم تكن موجودة قبل هذا الاعتراف! ثمّ ما هي فلسطين المُعترف بها؟ وما حدودها؟ أتلك الواردة في خطّة الأمم المتّحدة لعام 47 أم لعام 67؟ إنّ الاعتراف بالدولتين يعني إضفاء الشرعية على الإبادة الجماعية والاحتلال ونظام الفصل العنصري والتطهير العرقي والاستيلاء على الأراضي والمنازل وما إلى ذلك. لقد عوّدنا بيدرو سانشيز، رئيس حكومة إسبانيا، أنصاف التدابير والغموض، وفي المواقف المتطرّفة مثل هذه التي نشهدها، ينبغي اتخاذ مواقف أكثر تحديداً.
انطلاقاً من هذا، أقول إنّ موقف الحكومة الإسبانية لا يمثّلني. أرغب في أن أرى فلسطين حرّة من النهر إلى البحر، حيث يتمتّع جميع الناس بحقوقهم، وحيث يكون لأيّ شخص حرية المعتقد واللامُعتقد، وحيث يمكن للفتيات والفتيان أن يعيشوا طفولة كريمة. ولكن، بعد هذا كلّه، كيف يمكن أن نسمع ممثّلي بعض الدول يقولون إنّ لـ"إسرائيل" الحقّ في "الدفاع عن نفسها"، مع أنّها الكيان المُحتل، في حين أنَّ الشعب المُحتَل، وفقاً للشرعية الدولية، هو الذي له الحقّ في ذلك، حتى لو استخدم السلاح دفاعاً عن حريّته؟ الدفاع عن أنفسهم؟ أي عالم هذا الذي نشهده، والذي تبدو فيه المطالبة بالمساواة أمراً طوباوياً؟ إنه عالم مقلوبٌ رأساً على عقب.
■ ما ميادين النشاط التي تقترحها على مواطنيك وعلى المواطنين في العالم لدعم القضية الفلسطينية والعدالة في فلسطين؟
- بادئ ذي بدء، إظهار الدعم غير المشروط للمقاومة الفلسطينية التي لا تقاتل من أجل حريّة الفلسطينيّين فحسب، بل هي الكتيبة الأُولى ضدّ الاستعمار الإمبراطوري. ثانياً، يجب أن نكون استراتيجيّين ونعرف ما هي قواعد اللعبة. نحن نعلم أنّنا نعيش في عالم عولمي حيث تحكم دكتاتورية رأس المال. وهذه هي بالضبط النقطة التي يجب مهاجمتها من خلال ما تدعو إليه "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" للضغط على الحكومات المختلفة وجعل الكيان الصهيوني يمتثل، على الأقلّ، للشرعية الدولية.
■ ما أكثر شيء تحبّه في فلسطين أو في الثقافة الفلسطينية؟
- قد يكون من الصعب تحديد ذلك. كلُّ ما أستطيع أن أقوله أنّني كنتُ أشعر أنّني في بيتي وفي ثقافتي. في الواقع، أنا أعتبر فلسطين بيتي وثقافتي، إذ إنّني أشارك قيم شعبها من كرم وتضامن واحترام للتقاليد والعادات والأجداد، وتغليب المجتمع على الفرد، والقدرة على التغلّب على الشدائد. أحبُّ المطبخ الفلسطيني، الموسيقى الفلسطينية. لا شكّ أنّه لو كان بإمكاني اختيار مكان ولادتي، لاخترت فلسطين بلا تردّد.
■ كلمة تَوَدُّ قولها للناس في فلسطين؟
- أودُّ أن أعبّر عن إعجابي الأبدي بهم، وأن أقول لهم إنهم ليسوا وحيدين في صمودهم. صمودٌ يا أصدقاء، وفلسطين ستنتصر من النهر إلى البحر.
■ كلمة تقولها للناس في العالم؟
- استيقظوا، وكما قال الكبير محمود درويش: "الفلسطينيون بشرٌ يضحكون ويعيشون، حتى إنّهم يموتون موتاً عادياً".
فلسطين جميلةٌ وستكون أجمل من دون الاحتلال الصهيوني
■ لو قُدِّرَ لك أن تعيش في فلسطين فترة من الزمن، في أيِّ مدينة أو بلدة تُحِبُّ أن تعيش ولماذا؟
- بعد زيارتي جزءاً كبيراً من فلسطين، ربما كان يمكنني أن أقول إنّني أود أن أعيش في الخليل، لأنّها أكثر مكان لفت انتباهي وإعجابي على السواء. رغم أنّني سمّيتها الجحيم على الأرض، لأنّها مدينة محتلّة بالكامل ومتفكّكة إلى حدود سريالية بسبب الاحتلال الصهيوني، لدرجة يصعب استيعابها حتى لو رأيتها بأمّ عينيك. مرافقة الأولاد والبنات يداً بيد إلى المدارس عبر الحواجز، والسير مع الخليليّين ليسمح لهم جيش الاحتلال الصهيوني بالدخول إلى منازلهم، والنوم في منازل مختلفة كلّ ليلة لتجنّب الاعتقالات وإلقاء القنابل الحارقة، إلخ. هذه أسباب كافية لكي تكون جحيماً، لكنّها مع ذلك كانت بالنسبة إليّ أجمل مدينة عشت فيها، وأتمنّى أن أعود إليها قريباً، ولكن بعد أن تتحرّر من الاحتلال الصهيوني.
بطاقة
David Elías Torres Lopéz ناشطٌ إسباني من مواليد ألمرية عام 1985. حاصل على إجازة في علم النفس، ويعمل حالياً منسّقاً في منظّمة "ثيبايم" لبرنامج الحماية الدولية. عضو في مكتب "مقاطعة إسرائيل"، ونظّم العديد من الفعاليات التضامنية مع فلسطين منذ بدء العدوان الإسرائيلي الحالي على غزّة. له أبحاث ومقالات في علم النفس، أبرزها: "التدخّل النفسي والاجتماعي مع المتقدّمين للحصول على الحماية الدولية" (2021).