أسامة إسبر: أحاول أن أجعل عبوري جميلاً

16 سبتمبر 2022
"درب الريح" لأسامة إسبر (من المعرض)
+ الخط -

يصطاد أسامة إسبر الأشكال والأحجام والألوان المختلفة للحظاتٍ عابرة ويحوّلها إلى ومضة فنيّة، في محاولة منه لفهم نفسه في هذا الفراغ الإنساني الذي يملؤنا. تبدو الصور التي يلتقطها بعدسته قادمةً من تضاريس أحلامنا البعيدة والمعتمة. من أماكن في أعماقنا وأجسادنا عادةً ما نهملها، من طبقاتٍ لا واعية تتراكم فوق بعضها: سهول، تلال، أجساد، عيون. جميعها تتراكم في هذا النسيج الكوني الغريب: تصير الصورة أرضاً أو جسداً، برزخاً يتلاقى فيه المرئي واللامرئي

في زمن تتراكم فيه القمامة البصرية، زمن الصورة الاستهلاكية التي تحجب أكثر من أن تكشف، يحاول الشاعر والمترجم السوري (1963)، في تجربته الفنية الأولى في التصوير الفوتوغرافي، أن يقدّم صورة مختلفة لكي يجعل لحظة عبوره جميلةً، كمثل نسمة متوسّطية.

ضمن هذا السياق، تستضيف صالة "هيلتون"، في مدينة شيكاغو الأميركية، معرضه الفوتوغرافي الأول الذي يحمل عنوان "طقوس العبور". افتُتح المعرض في التاسع عشر من آب/ أغسطس الماضي، ويستمرّ حتى الحادي والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

يجمع أسامة إسبر في معرضه بين الصورة والقصيدة، إذ تُرافق كل صورةٍ قصيدةٌ له كُتبت على جدران الصالة بأحرف الفينيل، في محاولة لخلق سياق إبداعي مشترك، رؤيةً وكشفاً، بين الشعر والصورة. هنا لقاء لـ"العربي الجديد" معه.
 

■ كشاعر وقاص ومترجم، كيف بدأت علاقتك مع التصوير الفوتوغرافي؟
بدأت في وقت متأخر، كنت في سهرة مع الفنان الإيطالي الكبير ماركو نيريو روتيللي في شيكاغو، شاهد صورة كنت قد التقطتها بالصدفة، فنظر إلي وقال أنت تمتلك عين المصور، يجب أن تلتقط الصور وتستكشف علاقة الفوتوغراف بالشعر. أصغيت إليه وبدأت رحلة التصوير، وكانت الصور التي ألتقطها تلقى الإعجاب، حتى أثمرت القصة في النهاية وتدلت ثمارها على أغصان هذا المعرض الحالي.

■ أنت بدأت بالكلمة قبل الصورة، من هنا أريد أن أسألك، ماذا كان بالبدء: الكلمة أم الصورة؟
على الصعيد الشخصي بدأت بالكلمة، وأشعر أنني في بدء متواصل في هذا المضمار. حين كانت الأعين الأولى لنوعنا البشري، الخائفة والباحثة والمتسائلة، تهاجر بحثاً عن ما يمكّنها من استمرار حياتها على أراض جديدة كانت ترى الصورة المادية للعالم بقسوتها وعنفها وأحياناً برقتها وجمالها الساحر. كانت تشاهد الأعاصير والشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والبحار الغاضبة والأنهار الهادرة، وحين اكتُشفت النار، حدثت إضاءة بصرية، استطاعت العين من خلالها رؤية محيطها المباشر في أوقات مختلفة. كانت الصورة في البداية ثم جاءت الكلمة، لكن الأديان السماوية أتت بالكلمة وصنعت بها قصة عن الصورة وعممتها كرؤية نهائية. في الأديان البشرية الأولى ما قبل التوحيدية كانت التماثيل، أو ما دُعي في الثقافة الإسلامية بالأصنام والنقوش على جدران الكهوف والمعابد قراءة بصرية للوجود ثم جاءت الأبجدية وتطورت المفاهيم وولدت اللغات التي حولت المشاهد إلى أفكار، وإلى أسئلة أو تفسيرات ونظريات حول هذا الكون العجيب الذي بهر العين.
لكن هذا موضوع كبير، يقودنا إليه سؤالك، فلنعد إلى الصورة والكلمة، المسألة الآن ليست أيهما أسبق، فكما يبدع الشاعر قصيدة والقاص قصة والمسرحي مسرحية والروائي رواية والفنان التشكيلي لوحة يصور المصور صورة، لكن هل ترقى هذه الصورة إلى أن توضع في دائرة الفنون الإبداعية؟ دار جدل كبير في الغرب حول هذا الموضوع ويمكن الرجوع إلى ذلك في كتاب مهم للباحثة نعومي روزنبلوم صدر بالإنكليزية بعنوان "تاريخ التصوير الفوتوغرافي في العالم"، غير أن الجدل حُسم الآن والصالات الكبرى في العالم تستقبل الصورة الفوتوغرافية كعمل فني إبداعي، بالتالي ليست المسألة من الأسبق، بل ما الذي يتحقق إبداعياً عبر التصوير، وعبر التأليف بالكلمة؟

على الصورة أن تقدّم شيئاً جديداً على مادّتها الواقعية

■ كيف تبدأ الصورة؟ من لمحة، إحساس، أم فكرة؟
أكيد أن الصورة لا تبدأ من فكرة، قد تبدأ من لمحة، وهي تولد في فضاء بصرك بسرعة ويجب أن تكون مستعداً، وقد تفلت منك صور كثيرة وتهرب، فالكون مليء بالصور الجميلة وكل ما عليك فعله هي أن تكون مهيأ، ألا تقسر نفسك. ثمة إيحاء بصري كالإيحاء الشعري. فجأة ألمح جناحاً مشبعاً بالضوء، أو صخرة يتقافز فوقها الموج صانعاً فسحة أفق بيضاء تكسر طغيان الزرقة، أو انعكاساً للضوء، وحين أكون في الشارع قد ألمح وجهاً بشرياً تكون ملامحه في اللحظة التي ألمحه فيها خارج عادية الوجه، بمعنى أن هناك انشغالاً داخلياً يتجلى في التعابير، ويكون هنا الضوء كاشفاً، وتتدخل في الأمر طبيعة الحركة والزاوية التي أكون فيها.
إن العالم كمادة بصرية متاح أمامك، لكن تحويله إلى صورة مسألة تتعلق أيضاً بالإلهام، بالعين وقدرتها على رسم المشهد. أشعر في كثير من الأحيان أن عيني تقودني وتقول لي التقط هذا المنظر لا تلتقط ذاك، إن السحر يكمن في العين، وفي تبدل مواقعها وتعدد المنظورات، في لعب الضوء ومكر الظلال.

■ هل تبحث عن نفسك في طقوس العبور؟
أبحث عن نفسي بالمعنى الفني في التصوير الفوتوغرافي، وهذا المعرض هو انكشاف أولي لما يمكن أن أفعله في هذا المضمار، بالتالي إن المسألة بحث متواصل عن الذات وإمكاناتها الفنية وتحقق هذه الإمكانات في العمل الفني.
في قراءة أخرى لسؤالك، طقوس العبور هي طقوسنا الجماعية فكلنا عابرون، سنتحول إلى ذرات في الريح، وإذا ما كنا متدينين فإن هذا سيمدنا بالطمأنينة، وإذا لم نكن فقد نصبح أكثر التصاقاً بطينة الكوكب الأرضي، بمعنى أن ذراتنا ستختلط بغيرها وتتحول وسنشكل جزءاً أو تفصيلاً مندمجاً في مادة أخرى قد تظهر في صورة قادمة لا نعرف من يلتقطها.
هذا العبور يساعدني على تعميق فهمي لنفسي بأنني لحظة إنسانية عابرة في هذا النسيج الإنساني الغريب العجيب والإعجازي، لحظة تختزن طاقات إبداعية وصوراً مجهولة. بالتالي، أحاول أن أجعل عبوري جميلاً، أن أجمّله بالصور الناجحة فنياً إن استطعت إلى ذلك سبيلا.

الصورة
"دروب بديلة" (من المعرض)
"دروب بديلة" لأسامة إسبر (من المعرض)

■ في صورك، ما الذي يهمُّ أكثر، الضوء أم الظل؟
يلعب الاثنان دوراً مهماً، بحسب الصورة. لا دور للظل من دون ضوء ولا دور للضوء من دون ظل في الصورة، والصورة الناجحة هي الصورة التي يخف فيها طغيان الضوء، أو طغيان الظل ويحدث توازن بين الاثنين. بمعنى أن الضوء مهم في سياق علاقة التفاصيل بعضها بالبعض الآخر، وفي دوره في إظهار هذه التفاصيل لا لكي يفرض أناه ويعلن فحولة سطوعه بل ليكشف تفاصيل الأشياء أكثر، والأمر نفسه ينطبق على الظل الذي يجب أن لا يحجب بقدر ما يوحي ويكشف عبر الدخول في علاقة عناق مع الضوء الذي يجب أن يفهم أنه ليس وحيداً، أنه ليس سيد الساحة. إن الصورة نتاج عملية توازن بين الضوء والظل، فالتغاير بين الضوء والظل، كما يقول الخبراء في هذا الميدان، يساعد الصورة من خلال تقديمِ بُعْدٍ لها وتركيزها وتعزيز تباينها، أي الاختلافات بين المناطق الأغمق والأفتح فيها، وهو ما يُسمى التباين اللوني. غير أن الضوء هو موضوع في غاية التعقيد، فهناك ضوء المصورين الفوتوغرافيين وضوء الفنانين التشكيليين، وضوء الشعراء، الضوء المتوسطي، الذي تحدث عنه فنانون كثيرون، وضوء شيكاغو الذي يسحرني، وأشعر أنه كلما تبدى يكون شفافاً أكثر ويصبح أكثر شاعرية والذي يمنح الصورة تألقاً خاصاً. هناك ضوء كاليفورنيا الذي أعشقه والذي تحدث عنه شاعر كاليفورنيا الكبير لورنس فيرلينغيتي في قصيدته المشهورة "الضوء المتغير"، وقال عنه إنه ليس من صلب ضوء الساحل الشرقي في أميركا ولا من صلب الضوء الأوروبي. وفي قصيدة أخرى يقول فيرلينغيتي إن هذا الضوء له قواميسه. وهذا الضوء كما أعايشه ضوء يتبدل كل يوم، ويكتسب هوية مختلفة، وألوانه تصبح أكثر غنى بين يوم وآخر، أحياناً ينتشر فجأة ويتغلغل في الغيوم فترى غيوماً ضوئية في سماء كاليفورنيا، ويسكن في أوراق الأشجار ويضيء حصى وأحجار الشواطئ كما لو أن الأشياء تثمل به، تتعرى من نفسها وترتديه، وأحياناً يحتجب خلف ضباب كثيف فتشعر بحنين إليه. هذا الضوء الكاليفورني يصنع صوره الخاصة، وأحياناً يولد أمامك منظرا مكتملا بذاته، صورة قائمة لا تحتاج إلا إلى ضغط على الزر كي تلتقطها. غير أن هذا الضوء يجب أن يُخفف قليلاً حين يدخل في تكوين الصورة.
الأعين تختلف، كل عين تبحث عن زاوية رؤيتها، وتضبط آلة التصوير وفق مقاييس ومنظور معين. فأنت هنا لا ترى بعينك فحسب، لا تشكل صورة ذاتية أو تكوّن انطباعاً بصرياً عن مشهد جميل، بل تصنع صورة بالآلة عبر علاقتها مع العين، ولهذا يجب أن تنتبه إلى المنظور، وتتقيد بتقنيات معينة مرتبطة بالآلة، ويجب أن تقدم شيئاً مختلفاً في الصورة عما كان عليه في واقعيته البصرية الخام.
يلعب الضوء دوراً كبيراً في صوري، لا بمعنى أنه صانع الصورة، بل بمعنى أنه كاشفها، ومنير تفاصيلها.

ثلاثة أرباع ما يُفْرض علينا من صوَر هو قمامة بصرية

■ هل الصورة عندك محاولة للنسيان أم للذكرى؟
إن الصورة محاولة للإضاءة، للكشف. وكما تعلم الصور أنواع والمصورون أنواع. هناك صور للذكرى كأن تلتقط صور عيد ميلادك، أو حفل زواجك، أو صوراً لعشيقتك، أو لحفيدك، أو ابنتك، أو صوراً لك في مراحل مختلفة من عمرك. حين تعود إليها في الألبوم تتذكر المناسبات والأطوار التي مرت فيها الوجوه.
إنَّ الصورة الفوتوغرافية عمل ضد النسيان والمحو، تأكيد لجمال اللحظة العابرة، بكل طقوسها وشغبها وسوادها وبياضها. الصورة الجميلة بالمعنى الفني تساعدنا على الخروج من ذاكرتنا وتفتح أفقاً جديداً لنا، قد يكون بصيص أمل، أو ومضاً جمالياً نتذوق من خلاله الطعم الطيب لحضورنا على الأرض، هذا النبيذ المقدس الذي يسكرنا ويدخلنا في طور يعلو على طورنا العادي، وكما تعلم، الصورة تومئ وتشير وتوحي وتثير في داخل كل شخص مشاهد لها بطرق مختلفة. 

■ هل هذا الزمن هو زمن الصورة؟
هذا زمن الصور المُلقَّنَة، الاستهلاكية، والتي تنصب علينا من الشاشة، حتى أنها تطمرنا. ثلاثة أرباع ما يُفْرض علينا هو قمامة بصرية، وحين يجلس المرء أمام الشاشة ويمضي وقته هناك وهو يأكل تتحول المادة البصرية إلى نوع من الطعام لمعدة العقل السائد. كما أن من سمات عصر الصورة انتقاء صور وفرض صور وحذف أخرى بحسب التوجهات الكبرى للسياسات المتحكمة بمصير العالم وبوسائل الإعلام، كما يحدث أيضاً في الأنظمة الدكتاتورية حيث الصور والإعلانات مدروسة من قبل خبراء في هذا المجال لفرض الامتثال والطاعة. زمننا زمن الصور الإخبارية بكافة أصنافها التي لا تخبر بقدر ما تحجب، وهناك صور تتحول إلى أيقونات أو أوثان للأجيال الجديدة كصور الممثلات وعارضات الأزياء والمطربين ولاعبي كرة القدم. 
كي ترى صوراً مختلفة، صوراً فوتوغرافية إبداعية يجب أن تبذل جهداً إضافياً، يجب أن تذهب إليها وتبحث عنها، فهي لن تأتي إليك على طبق الأخبار اليومية.

الصورة
أسامة إسبر
أسامة إسبر

■ الطبيعة والضوء والموج عناصر تتكرر في صورك هل هذا التكرار نوع من الحنين إلى المكان الذي جئت منه، وإلى الطفولة ربما؟
حين أرى أطفالاً يلعبون على شواطئ البحيرات في شيكاغو أو على شاطئ المحيط في كاليفورنيا، الرملية والصخرية، أتذكر ملامح ذلك الطفل البعيد، والتي كانت تسكن مرة ملامحي. حين أتنزه هنا على الشاطئ أتخيل نفسي أحياناً أسير على شاطئ طفولتي.
صحيح نحن نعيش في بلدان أخرى بحكم الضرورة غير أننا يجب ألا نقلل أبداً من أهمية الأمكنة التي انحدرنا منها أو ولدنا فيها. إنها مناطق عذراء، بكر، غير مكتشفة بصرياً، بالنسبة لي. حين ألتقط صورة هنا على شاطئ بعيد أشعر كما لو أنني هناك وخاصة حين يعزف الضوء على وتر المشهد، وأرى فيه غنى الضوء المتوسطي، وأنوثته المكشوفة بكل تفاصيلها. وحين أتجول في غابة أو في سهل أخضر أو في سفوح جبل في كاليفورنيا تعود إلى ذهني كروم الزيتون والتين وغابات الطفولة، ويولد إحساس بأن العالم لا تفصله حدود وأن الدروب مفتوحة للخطى البشرية. أعرف أن هذه خواطر أو صور عابرة في الذهن، إلا أنني أعيش هذه اللحظات حين أصور.

■ هل تفضل التصوير التقليدي على الرقمي؟
لا شك أن التطور التكنولوجي الهائل وخاصة في حقل الكاميرات الرقمية لعب دوراً كبيراً في تسهيل عملية التصوير. بالنسبة لي أفضل الكاميرا الرقمية الحديثة، لأنها تستجيب للعين والتقاطها سريع وخاطف للمشهد، كما تستطيع في اللحظة نفسها أن تأخذ لقطات عديدة سريعة لجسم بصري عابر. هذه الثورة الرقمية تتناغم مع حركية التقاط الصورة وتخدمها، إنه إنجاز كبير يجب أن ينحني له جميع المصورين.

■ هل تعالج صورك؟ وإلى أية درجة يمكن أن تشوه التقنية الصورة؟
الحقيقة لا أعالج صوري كثيراً إلا حين يقتضي الأمر، وبطريقة لا تؤثر على نقاء الصورة ودفقها الموحي. حين تعالج الصورة كثيراً، يظهر هذا عليها فتبدو ملعوباً بها، بل يخفت وهجها. أنا مع المعالجة التقنية عند الضرورة والتي لا تظهر على الصورة، كمثل أن تعتم صورتك لتبرز عناصر معينة أو تزيد إضاءتها فتطمس أخرى. 
هناك مصورون في الغرب يلعبون اللعبة التقنية على مستويين، يستخدمون الأجهزة البصرية الحديثة والكومبيوترات من أجل إعادة تركيب الصور كما يركبون المشاهد التي أمامهم. هناك فنانون في أميركا والأبرز بينهم حالياً ديفد يارو والذي تبيع صوره كثيراً إلى درجة أنه صار غنياً من التصوير الفوتوغرافي وأغنى الصالات التي يتعامل معها ومنها الصالة التي تبنت معرضي. وبسبب ثرائه المادي وخبرته وموهبته وتاريخه الطويل في فن التصوير الضوئي صار يصنع الصورة ويلتقطها فمثلاً يأتي بنمر أو فيل أو حيوان من نوع ما ويفلته في أحد شوارع شيكاغو بين الناس ويلتقط الصور، أو يأتي بممثلة من هوليوود ويدخلها إلى بار صاخب ومعتم قليلاً ويلتقط صورها مع السكارى... إلخ. هنا جمع بين التقنية والإخراج المسرحي للصورة. بالنسبة لي أعتبر نفسي في البدايات على عتبة تجارب قادمة.

الصورة
"فضاء آخر" (من المعرض)
"فضاء آخر" (من المعرض)

■ ما الذي سيعثر عليه أولئك الذين سيزورون معرضك؟
سيعثرون على صور معلقة هناك، تربك أفقية الجدار، وتفتح كوى على مشاهد أخرى. غير أن ما سيعثرون عليه داخل الصور أمر خاص بهم، فالصورة صارت ملكهم وليست لي. إنها منفصلة عني في أفق التلقي. لهذا ولأنه من الصعب أن يتحدث شخص عن ما أنجزه، أترك للمشاهدين الحكم على ما يرونه، لأن كل شخص في النهاية يمتلك ذائقته ومنظوره ويقارب الصورة الفوتوغرافية ضمن هذا المنظور. هذا معرضي الأول، وهو البداية على طريق وعر وطويل، وعرض صوري في غاليري بهذه الأهمية قد يشكل إشارة إلى ما يمكن أن يعثر عليه المشاهدون، وما أشاهده أنا هو الصور الأخرى، المعرض القادم الذي سيأتي بعد هذا، ولهذا لن يجدوا تحققاً فنياً بقدر ما سيجدون بحثاً عن هذا التحقق، أعمال مصور ما يزال يطارد الصور على دربها الشاق الطويل، شاكياً من قلة الزاد وبعد المسافة ووحشة الطريق.

الصورة الناجحة هي تلك التي يخفّ فيها طغيان الضوء

■ هل الصورة سؤال أم جواب؟
 ليست الصورة سؤالاً أو جواباً، إنها كشف، تأكيد لحضور عابر، في العبور البصري للوجود، بمعنى أن الصورة الناجحة إبداعياً هي انزياح عن المألوف بالبصري، يكشف أبعاداً في المرئي لا تراها العين العادية. من المحتمل أن يولّد هذا أسئلة، ويجيب عنها، هذا يتعلق بالمشاهد وكيف يرى الأمور.

■ قل لي ماذا تحتوي صورة جميلة؟
تحدث نقاد كثيرون عن الأمر وأجمعوا على أن الصورة الإبداعية الجميلة هي التي توظف تقنية تمزج بين أشكال وأحجام وألوان مختلفة للحظات عادية وتحولها إلى فن من خلال مهارة التصوير. فأنت تلتقط صورة للمادة البصرية تتجلى لعينك المحدقة عبر العدسة المقربة أو المبعدة وتنقلها مغايرة عن تحققها في الواقع البصري عبر مهارتك الخاصة. غير أن المسألة الأهم هي أن تستخدم بشكل مقصود عنصراً لتعزيز فرادة صورتك. إن الصورة الجميلة هي التي تعكس منظوراً، وهذا ما يميزها عن الصور التقليدية.

المساهمون