استمع إلى الملخص
- محتوى الحلقات: تناولت الحلقات الأولى تجارب روائية من العراق وسوريا، مثل سنان أنطون وممدوح عزام، وناقشت قضايا الاستعمار الجديد والبيئات الاجتماعية. استضافت أيضاً الروائية الفلسطينية سعاد العامري والشاعر إبراهيم نصر الله.
- تنوع الضيوف والقضايا: شمل المنتدى أصواتاً من مصر، المغرب، السودان، واليمن، مثل نورا ناجي ويوسف فاضل، وناقش قضايا مثل ثورة 25 يناير والثورة السودانية. اختتم الموسم الأول برؤية شاملة لقضايا المجتمعات العربية وتعزيز ثقافة القراءة.
في مثل هذه الأيام من العام الماضي، أُطلقت في الدوحة تجربة خاصة على مستوى الحوارات الثقافية، تمثّلت في منتدى شهري بادرت إليه الروائية السورية سمر يزبك، وحمل عنوان "حديث الألف". يُعقد المنتدى في "مكتبة ألف" بالدوحة ويُعرَض عبر قناة "العربي الجديد" على "يوتيوب" بالإضافة إلى موقع الجريدة الإلكتروني ومنصة "العربي +" وهو من إنتاج مؤسسة "فضاءات ميديا". ووفقاً لفريق "حديث الألف" فإن اسمه اختير تَيَمُّناً بأحاديث أربعاء طه حسين، ورغبةً بإحياء أجواء المنتديات الثقافية في العالم العربي، وتعزيز اللقاءات بين أصوات أدبية فكرية معرفية وسجالية.
عشر حلقات في عشرة أشهر كانت حصة الموسم الأول من "حديث الألف"، حيث استضافت خلالها صاحبة "مقام الريح" (2021) أديبات وأدباء عرب من مُختلف الأجيال: سنان أنطون، وممدوح عزام، وسعاد العامري، وسامية عيسى، وشادي لويس، وإبراهيم نصر الله، ويوسف فاضل، ونورا ناجي، وحبيب عبد الرب سروري، وأمير تاج السر، بإيقاع وئيد أضفى على التجربة الحوارية ميزة بعيدة عن السريع والموجَز و"الريلز" الذي يغزونا في عالَم النقرات والتصفُّح وتبسيط العلوم وصنّاع المحتوى الذي نحيا به عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
قدّمت حلقات الموسم الأول أصواتاً أدبية وفكرية ومعرفية
وبندوة استثنائية حول الروائي السوري الراحل خالد خليفة (1964 - 2023)، ينطلق عند السادسة (بتوقيت الدوحة) من مساء اليوم الأربعاء، الموسم الثاني من "حديث الألف" الذي يستضيف كُلّاً من الروائية السورية روزا ياسين حسن والكاتب والصحافي المصري سيّد محمود، على أن يكون الروائي الفلسطيني أسامة العيسة ضيف الحلقة الأولى من المنتدى في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر المُقبل.
ومن منطلق تعزيز أفكار العمل الثقافي الجماعي والمؤسسي، بادرت سمر يزبك إلى دعوة كتّاب لمشاركتها في إجراء الحوارات مع ضيوف "حديث الألف"، حيث ستحاور الروائيةُ والصحافية اللبنانية هالة كوثراني ضيوف ندوات الموسم الثاني.
ساعتان تقريباً هي مدّة الحلقة الواحدة من "حديث الألف"، حتى في أيام الهواء المحدود والبرامج التلفزيونية البيتوتية، أواخر القرن الماضي ومطلع الألفية الجديدة، لم يكن للمحتوى الثقافي الحواري فيها كلّ هذا الوقت. مع ذلك، مَن قال إنّ الناس أو القُرّاء لا يُريدون أن يسمعوا ويُشاهدوا محتوى بهذا الطول؟ أحياناً كثيرة يكون شرط الاختصار بحجّة مُلاءمة روح العصرالسريعة ليس أكثر من انطباعات مُسبَقة أو توجيهات مفروضة على جمهور متنوّع ما زال يميل إلى المادّة المُسهَبة، خاصة أنّ الكثير من "البودكاستات" الطويلة تحظى بنسب مشاهدة عالية.
بالعودة إلى حلقات الموسم الأول التي أعدت لها وقدّمتها باقتدار الروائية سمر يزبك، نستطيع أن نرى الإطار العام الذي تحرّك فيه المنتدى، إذ نجد أنّه في الحلقتين الأولى والثانية من "حديث الألف" قد تمّت الإطلالة على تجربتَين روائيّتين من العراق وسورية: سنان أنطون (1967)، وممدوح عزام (1950)،، تجاوُرٌ بين البلدين فرض تقارُباً إلى حدٍّ ما في الهموم الروائية الواقعية التي يتقاسمُها صاحب "يا مريم" (2012)، وصاحب "قصر المطر" (1998)، من فكرة الفرد المُستباح إلى تشكّل الوطنيات الجديدة في مرحلة ما بعد الاستقلال مع تكثيف أكبر لثيمة الاستعمار الجديد في حالة أنطون، وانشداد صوب البيئات الاجتماعية في عوالم عزّام. يتحدّث أنطون في الحلقة الأولى عن شخصية "عمر" (في روايته "خُزامى")، الذي قُطعت أذنه لمحاولته الفرار من الخدمة العسكرية إبان الحُكم البعثي، ويروي عزّام في روايته "أرواح صخرة العسل" (2017) مصائر السوريين بعد أبَدٍ بعثيّ مديد، هو نظير للأول في كلّ شيء ولكنّه ليس إيّاه.
حواريات بعيدة عن الاختصار المُخلّ للميديا الجديدة
كذلك يُمكننا من خلال المقاربة ذاتها أن نقرأ حلقتَي الروائية والمعمارية الفلسطينية سعاد العامري (1951)، والروائية والصحافية الفلسطينية اللبنانية سامية عيسى، التي خصّصت حديثها بالكامل عن الروائي والباحث الأسير باسم خندقجي (1983). مواجهة الحالة الاستعمارية بالقصص الشخصية هي ما تشتغل عليه العامري، إنها تُقاطع عمارتَين ونصّين، الأول من طوب البلاد وترابها، والثاني من الكلمات والحكايات والسير، وترى صاحبة "بدلة إنكليزية وبقرة يهودية" (2022)، أن الاحتلال ليس سوى أنه "يمنعنا من حياة يومية طبيعية، ويجهد في الآن ذاته بأن يخلق احتلالاً في رأس الفرد الذي مع الأيام سيوطّن نفسه بأن لا داعيَ للذهاب إلى رام الله، حيث استقرت في دماغه أربعة حواجز". هذه الفكرة هي ما كانت سامية عيسى قد لفتت إليها وأسست لها من خلال حديثها عن حيوات باسم خندقجي "ثلاث حيوات نظرية على الروائي أن يعيشها في السجن، وبعد 150 أو مئتي عام، عليه أن يخرج، ويصافح، إن سُمح له، مودّعاً سجيناً آخر له مشوار أطول، فهو محكوم بسبعة وستّين مؤبَّداً".
أما الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله (1954)، فمن أبرز اللقطات التي قدّمها في حلقته هي حديثه عن الظاهر العمر، بطل روايته "قناديل ملك الجليل" (2011)، إنها شخصية مظلومة و"من العار أن تُترك خارج التاريخ الأدبي"، في الوقت الذي لم يتوافر له من بحث تاريخي صادر عن الظاهر العمر سوى سيرتين صغيرتين مجموع صفحاتهما فقط 80 صفحة. وبهذه الحلقات الخمس السورية العراقية الفلسطينية، يكون "حديث الألف" قد شمل قوس المشرق العربي تاريخاً وتراثاً وأدباً.
وبالانتقال إلى مصر نجد أن صوت الشباب قد تمثّل بحلقتين: نورا ناجي وشادي لويس، وإن كان الأخير قد قدّم عرضاً حول الأدب الفلسطيني بدوره، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن المنتدى قد تواكب منذ حلقته الثانية مع حرب الإبادة الصهيونية في غزّة، الأمر الذي أعطى مساحة أكبر لفلسطين وقضيتها على وقع مصادرة الصوت الداعم، وتجريم الصوت الفلسطيني الذي يعيشه الغرب منذ إعلان "معرض فرانكفورت للكتاب" إلغاء تكريم للروائية عدنية شبلي كان سيعقد ضمن فعالياته. وإذا ذُكرت فلسطين والاحتلال، كان لا بدّ من التساؤل عن مصيرنا ومصير ثوراتنا العربية، وربما هذا ما مثّلته رواية "سنوات الجري في المكان" لنورا ناجي، وتصويرها ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وكأن الإضافة المصرية جاءت لتُكمل أسئلة الضيوف المشرقيين وهواجسهم.
استُكملت بانورامية "حديث الألف" بثلاث حلقات: مغربية مع الروائي يوسف فاضل (1949)، وسودانية مع الروائي أمير تاج السر (1960)، ويمَنيّة مع الروائي حبيب عبد الرب سروري (1956)، يتحدّث الأول عن معنى الكتابة لديه في "الخراب واللامكتمل" و"الكتابة في الماضي" خلال مسيرة تمتدّ منذ الثمانينيات قدّم فيها 13 رواية، أمّا تاج السرّ فأبرز ما وقف عنده في الحديث عن تجربته هو الثورة السودانية (2018)، التي ألهمته "غضب وكنداكات" (2019)، وإن كان يرى أن الكتابة لما بعد الثورات العربية ما زالت متعجّلة، في حين تحدّث سروري عن غياب لأدب الخيال العلمي في الثقافة العربية في مقابل ازدهاره في الغرب، قائلاً إنّ ذلك مرتبطٌ بوضْع العلم والثقافة العلمية عربيّاً.
بهذه الأسماء تكون قد اكتملت حلقات الموسم الأول من "حديث الألف"، الذي قدّم محاولة جادّة في الإضاءة على قضايا المجتمعات العربية من خلال رؤى كتّابها، ضمن توجّه يدعو لتعزيز ثقافة القراءة ومدّ الجسور بين الكاتب والمجتمع.