حظي الشعر القديم بالعديد من الدراسات التي تركز على البنية السردية للموضوعات التي تناولها الشعراء في نصوصهم مثل البكاء على الأطلال والحرب وعلاقات الحب والموت وإبراز أشكال الصراع ومستوياته المتعدّدة سواء في نسج الحوارات أو تقديم الشخصيات أو بناء الحدث.
وشُحنت هذه القصائد بطابع فلسفي ملحمي على اختلاف ثيماتها مثل الوصف، والغزل، والفخر، والهجاء والمديح، خاصة في تعاملها مع الزمن بصورة خاصة، وتأمّل رحلة الحياة وما يسكن الذات من جراح وآلام، وكذلك في مقاربتها للمكان وما يتركه من أثر لا يمحى نتيحة ارتباطه بموقف أو حالة معينة.
"النزعة الدرامية في المعلقات العشر" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للباحث العُماني أحمد بن سعيد الأزكي عن "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان، بالاشتراك مع "الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء"، ويستعرض أثر الدراما في الشعر، وعلاقة الشعر بالدراما، ضمن النماذج المدروسة.
الكتاب يُعنى بالجانب الدرامي دون غيره من الجوانب، وكشف عن مفهوم الدراما، وعلاقته بالأدب، كما تناول عناصر البناء الدرامي، ومصادر الدراما في المعلقات العشر، كما يتطرق إلى القصص الدرامية والصور البصرية فيها، والاستهلال، والسَّرد، والشخصيات، والحوار الدرامي، والمكمّلات الدرامية.
ويتحدث المؤلّف كذلك عن الصراع بنوعيه الداخلي والخارجي، وتناول الدراما الظاهرة والمخبوءة وما حوته تلك الدراما من حبكةٍ ومكانٍ وزمانٍ والاسترجاع، بهدف تقديم صورةٍ جديدةٍ للبحث في الشعر العربي القديم، والنظرِ إليه نظرةً فنية بصريةً سينمائيةً وتلفزيونيةً.
واعتمد الباحث على الخيال البصري لرسم الأحداث التي أتى بها الشعراء في معلَّقاتهم، مركزاً في دراسته على نوعٍ خفيٍّ من الدراما يطلق عليه الدراما المخبوءة، كما سعى إلى تفجير الطاقات الإبداعية لدى الباحثين الآخرين لتناولِ مادة الشعر العربي القديم بصورٍ وقراءاتٍ حديثةٍ تتماشى مع روح العصر.
وتبنّى الأزكي المنهج الوصفي التحليلي مع الإفادة من نظرية التلقي، الذي مكَّنه من وصف النزعة الدرامية في المعلقات العشر، والكشف عن عناصرها وأبعادها بتحليل النصوص، ثمَّ تأويل المواقف الدرامية وتفسيرها.
وكشف الكتاب أن الوصف الدرامي الذي أتى به الشعراء في بعض المعلقات يشبه الوصف السينمائي والتلفزيوني الذي يقوم به كتَّاب السيناريو وإنْ لم يكن إياه، أمَّا بعضُ المعلَّقات فقد تضمَّنتْ موضوعات أقرب ما تكون للفيلم التسجيلي أو الوثائقي، ولا سيما المعلَّقات التي تناولتْ قصص الحيوان كمعلقة طرفة ابن العبد، ولبيد بن ربيعة، والنابغة الذبياني.