يرتبط "قصرُ أحمد باي" في مدينة قسنطينة، شرقيّ الجزائر، برحلةِ آخر حُكّام الشرق الجزائري خلال الفترة العثمانية (1784 - 1851) إلى الحجّ؛ حيثُ أمر ببنائه بعد عودته، عام 1818، من تلك الرحلةِ الطويلة التي استغرقت خمسة عشر شهراً، وتأثَّر خلالها بفنون العمارة الإسلامية.
وثّق أحمد باي لرحلته إلى البقاع الإسلامية المقدَّسة بأعمالٍ فنّيةٍ ما يزال كثيرٌ منها موجوداً في القصر الذي بدأَت أشغالُ بنائه عام 1825 وانتهت بعد عشر سنوات. وقد تحوَّل عام 2010 إلى "المتحف الوطني للفنون والتعابير التقليدية"، وأبرزُ اللوحات التي يضمّها؛ جدارية تتوزّع على مساحة ألفَي متر مربّع أنجزها فنّانٌ محلّي يُدعى الحاج يوسف بين 1830 و1835، ورسم فيها عدداً من المدن التي مرَّ بها أحمد باي في طريق عودته إلى الجزائر؛ مثل تونس وطرابلس والإسكندرية والقاهرة، مُصوّراً مشاهد من الحياة اليومية فيها.
يستلهمُ الفنّان الجزائري أحسن قصير رسومات هذه الجدارية في معرضٍ يحتضنه المتحف منذ الثامن عشر من الشهر الجاري وحتى الثامن عشر من الشهر المقبِل، ويضمُّ مجموعةً من السُّفن والقوارب الشراعية المستوحاة من رسومٍ مختلفة الألوان تتوزّع على جوانب الجدارية.
اعتمدَ قصير في منحوتاته على مواد طبيعية وأُخرى مصنّعة؛ حيثُ استخدَم الخشب لإنجاز القوارب التي يصلُ طولُها إلى قرابة متر، واتّخذ من أغصان الأشجارِ أعمدةً لها تشدُّها حبالٌ وتعلوها أشرعةٌ قماشيّة مربَّعة أو مستطيلة يصل علوُّها إلى ثمانين سنتيماً، كما استخرجَ الصباغةَ التي لوَّن بها منحوتاته مِن لحاء الأشجار.
ولإنجاز تلك الأعمال، كان على قصير نسخُ صُوَر للمراكب الشراعية التي تُزّين الجدارية، والاستماع إلى شروحات حول قصّةِ هذا العمل الفنّي التاريخي الذي شدّ انتباهه خلال إحدى زيارته إلى المتحف، مثلما قال في تصريحات صحافية.
مارس الفنّانُ العصاميُّ الرسم لفترةٍ من حياته؛ حيث كان يرسمُ بورتريهات في شوارع عددٍ من المدن والبلدان التي عاش فيها، قبل أن ينتقل إلى ممارسة النحت على الخشب في ورشته بإحدى قُرى ولاية سكيكدة جنوب الجزائر.