في سيمنار "العنف البطيء في سياق الاستعمار الاستيطاني وأنماط المـقاومة في فلسطين" الذي نظّمه أمس الأربعاء "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، ركّزت الباحثة الفلسطينية آيات حمدان على مدينة الخليل التي توجد في وسطها مستوطنات إسرائيلية يعود تأسيس أقدمها إلى نهاية الستينيات.
وأوضحت أنه رغم عدم وجود إحصائيات لأعداد الفلسطينيين الذين نزحوا من وسط المدينة بسبب سياسات العنف الإسرائيلي التي طاولت كل مستويات حياتهم، تشير التقديرات إلى حدوث تغيّرات سكانية كبيرة، حيث انخفض عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في البلدة القديمة بالخليل بنسبة 80% في الفترة ما بين عام 1967 ومنتصف التسعينيات.
تنقسم ورقة المحاضرة إلى ثلاثة أقسام، حيث يعرّف القسم الأول خصائص الاستعمار الاستيطاني في فلسطين والعنف البطيء نظرياً، ويضيء القسم الثاني على السياسات المرئية أو المادية للعنف، ويبرز كذلك السياسات الخفيّة التي تمارس العنف البطيء على الفلسطينيين وتستخدمها "إسرائيل" للسيطرة على المدينة، ويصعب التمييز بين السياسات المرئية وغير المرئية لكونهما متأصلتين بشكل متبادل. فبناء المستوطنات، على سبيل المثال، مكّن المستوطنين من ممارسة العنف تحت حماية جيش الاحتلال، وأدت إقامة الحواجز العسكرية وعمليات الإغلاق إلى تقييد الوصول إلى الخدمات وعزل السكان عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المدينة، ومع سائر المدن الأخرى، إضافة إلى التأثير النفسي والجسدي العميق لهذه السياسات.
يجب أن يُنطر إلى الاستعمار الاستيطاني على أنه بنية وليس مجرّد حدث
وتستكشف حمدان في القسم الثاني السياسات الخفية من خلال التمييز بين ثلاثة مستويات، وهي الخدمات وما يتبعه من تعليم وصحّة ووظائف وإسكان، والعزلة الاجتماعية لسكّان عن محيطهم، والسيطرة على الأماكن العامة والخاصة وخلف فضاء الاحتجاز أو الاعتقال، من خلال فحص كيف يرسم المستوطنون وجيش الاحتلال في الخليل الحدود للأماكن العامة والخاصة، وأحياناً إلغاءها، وتصويرها كمواقع لإنتاج القوة والضعف، وكيف قلّص المستوطنون والجيش المساحة الخاصة وحدود الملكية الفلسطينية. وتقترح الباحثة قراءة إنتاج الفضاء بوصفه استراتيجية استعمارية استيطانية تمتدّ إلى ما وراء حدود مدينة الخليل لتطاول كل المناطق الجغرافية في فلسطين.
وأشارت أيضاً إلى أنها تتناول في ورقتها السياسات الصهيونية في فلسطين وتؤطرها كمشروع استعمار استيطاني، وإثبات أنه يجب أن يُنظر إلى الاستعمار الاستيطاني على أنه بنية وليس مجرّد حدث، كما يصفه المؤرخ الأميركي باتريك وولف، مبيّنة أن القسم الثالث يسعى إلى إظهار أنه يجب أن يُنظر إلى المقاومة الفلسطينية على أنها بنية كذلك، فهي نتيجة طبيعية للعنف الذي يمارسه المشروع الاستعماري الاستيطاني، حيث تحلل الأنماط متعدّدة الأوجه للمقاومة مع التشديد بشكل خاص على المقاومة غير التقليدية التي تُنتج لتتناسب مع العنف الممارس على السكان الأصليين في زمان ومكان محدّدين، ومنها اللجوء القانوني إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، وعمليات الطعن، والمقاومة الشعبية وغيرها من أشكال المقاومة.
ونبّهت حمدان إلى النقص في الأدبيات التي تتناول حالة الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، من خلال تركيزها على العنف المرئي الواضح الذي يتمثّل في شكل مجازر وتطهير عرقي، ولم تُولِ اهتماماً بالعنف التدريجي الطويل الأمد الذي يتحوّل إلى أشكال أقل وضوحاً، على الرغم من ملاحظة باتريك وولف أن السكان الأصليين يجري محوهم في سياق الاستعمار الاستيطاني عبر مجموعة متنوعة من الأشكال، بعضها ثوري، وبعضها الآخر يستغرق وقتاً أطول، ويمكن تفسيرها على أنها أشكال بنيوية من العنف.
ثم عرضت أنماط السيطرة المادية التي جرت في الخليل، وتتمثّل في الاستيطان وعنف المستوطنين وإقامة الحواجز العسكرية والحضور العسكري داخل المدينة، لافتة إلى أن الاستيطان الذي يستدعي مرويات دينية يهودية منذ إنشاء مستوطنة "كريات 4" عام 1968، وتوالت مشاريع الاستيطان بعد ذلك التي أقيمت في أماكن عامة أو ملكيات خاصة، مفصلة تداعيات الاستيطان على جميع مستويات الحياة في التعليم والصحة والحركة وأعمال التجارة والعلاقات الاجتماعية وغيرها والتي تحوّل المدينة إلى مساحة من الاحتجاز.