منذ صعود الإنترنت، وظهور الكتاب الإلكتروني كصيغةٍ جديدة للنشر والقراءة، تتوالد الأسئلة حول مستقبل الكتاب، الذي لا يتردّد البعض في إعلان انتهائه و"موته" قريباً"، متنبّئين بأن المستقبل سيكون للكتاب الرقمي. ولا يتوانى المدافعون عن رؤية كهذه بالتنويه ــ من دون كثيرِ استنادٍ إلى معطياتٍ ودراسات ــ بأن الكتاب الرقميّ أقلُّ ضرراً للبيئة من ذلك الورقي.
وإن كان الكتاب الإلكتروني، في صيغة PDF على الأقل، لم يعد شيئاً جديداً لدى القارئ العربي، حيث تكثر منذ سنوات حالات القرصنة وتكاد الكتب الجديدة تُنشَر إلكترونياً، في نسخ مقرصنة، فور صدورها، فإن هذه الصيغة الرقمية من الكتاب قد عرفت صعوداً كبيراً في الغرب خلال السنوات القليلة الماضية، وهو صعودٌ جاءت جائحة كورونا لتعطيه دفعةً كبيرة إلى الأمام، معيدةً إلى الواجهة السؤالَ نفسَه حول مصير الكتاب الورقي.
العمل الجماعي "نهاية الكتاب: لا يتوقّف عن الموت (1841 ــ 1930)"، الصادر حديثاً بالفرنسية في نسخةٍ إلكترونية عن منشورات "بوبلي نيت"، يأتي ليُعطي بُعداً تاريخيّاً لهذا السؤال، الذي يكتشف القارئ معه أن نهاية الكتاب بعيدة كلّ البُعد عن أن تكون فكرة جديدة: فالكتاب، في صيغته المتعارف عليها، لا يكفّ عن كونه في طور النهاية والموت منذ أربعينيات القرن التاسع عشر على الأقل!
لا ينشغل العمل بتبيان معقولية هذا الادّعاء من عدمها ــ ادّعاء موت الكتاب ــ بل يسعى إلى الكشْف عن أنه ليس بالادّعاء الجديد، عبر إعادة نشْر نصوصٍ تغطّي قرناً من الزمن تقريباً، وضعها كتّاب وعلماء وصحافيون فرنسيون، وتنبّأ كلٌّ منهم فيها بطريقةٍ لانتهاء الكتاب بصيغته المعروفة.
فها هو الكاتب شارل نودييه يتوقّع، في مقال نشره عام 1841، بانحسار الكتاب حدّ الاختفاء مع انحسار "هُواته" من القرّاء، في حين يتنبّأ كلّ من أوكتف أوزان وألبير روبيدا، في مقال نشراه عام 1894، بأن الصورة الفوتوغرافية، التي كانت اكتشافاً جديداً في ذلك الوقت، ستحلّ مكانَ الورق. أمّا الكاتب الساخر ألفونس ألّيه فقد اقترح، في عام 1900، استخدام نوعٍ من الحِبْر المؤقّت لحلّ أزمة الورق التي عرفتها فرنسا في ذلك الوقت، بما يُتيح إعادة استخدام الصفحات نفسها أكثر من مرّة!
وكما يُشير فيليب إيتوان، أحد محرّري "نهاية الكتاب"، وناشره، فإن نهاية الصيغة الورقية من الكتاب لن تكفّ عن العودة إلى الأضواء في صيَغ جديدة مع كلّ اكتشاف تعرفه البشرية، منذ تحوّل الصحافة إلى وسيلة قراءة شعبية، مروراً بولادة المذياع، فالتلفزيون، وليس انتهاءً بالكومبيوتر والإنترنت؛ لكنْ رغم كل هذه التنبّؤات والابتكارات العلمية، ما يزال الكتاب الورقي الصيغة الأكثر تداوُلاً بين الناس حتى اليوم، ولا يبدو، كما تُشير آخر الدراسات الفرنسية، أنه ذاهبٌ إلى الاختفاء في القريب العاجل.