في الوقت الذي حقّقت فيه مقطوعاته الموسيقية شهرة استثنائية، خصوصاً منها تلك التي ألّفها للسينما، بقي اسم المؤلف الموسيقي الفرنسي ميشيل لوغران (1932 - 2019) غير معروف بشكل موسّع في ما عدا دوائر الموسيقيين والمتابعين المثابرين لعالم الفن.
أسباب كثيرة كانت تفسّر ذلك، ومنها عدم استقراره بين بلده فرنسا والولايات المتحدة الأميركية التي عُرف فيها كمؤلف للموسيقى التصويرية لأفلامها منذ الخمسينيات إلى سنوات قريبة من رحيله. عدم الاستقرار المكاني رافقه عدم استقرار ضمن الأجناس الموسيقية التي يشتغل عليها لوغران من تكوينه في الموسيقى السيمفونية إلى عشقه المعروف للجاز، وبينهما مرور من الأغنية التجارية والموسيقى التصويرية التي عَرف فيها أمجاده بما أنه أحد القلائل الفائزين بثلاث أوسكارات.
رغم ذلك، بقي لوغران - الشخص - غير معروف كفاية لدى الجمهور، وقلّما جرى الربط بينه وبين أعمال له كثيرة باتت متداولة على الإنترنت كموسيقى آلاتية صامتة أو موسيقى الأفلام. كان هذا الغياب وراء تفكير المنتج الموسيقي الفرنسي ستيفان لوروج في محاورة لورغران قبل فترة قصيرة من رحيله، كي "يتكلّم الفنان بدلاً من موسيقاه" كما يشير في توطئة عمله.
صدر الكتاب مؤخراً عن منشورات "بيكولو" بعنوان "ميشيل لوغران: للأسف سأقول نعم"، وهو عنوان مخاتل يشير إلى قبول الفنان الفرنسي بمشروع كتاب حوله وهو المعروف برفضه لمعظم دعوات المحاورين، خصوصاً في التلفزيون.
العمل هو بالتالي أقرب إلى سيرة ذاتية خطّط محاورها لوروج من خلال أسئلة تدفع المؤلف الموسيقي للحديث عن عوالمه الإبداعية التي بقيت في الظل، فيفسّر ميولاته الموسيقية الخاصة، وكيفية دمجه بين نكهة الجاز والروح الملحمية للموسيقى السيمفونية، كما يضيء على قراءاته في الشعر والبلدان التي يحبّ السفر إليها، ويذهب أيضاً إلى تعليقات عن أحداث عاشها مثل الحرب العالمية الثانية في طفولته أو كواليس هوليوود.
وحين يتحدّث لوغران عن الأفلام التي شارك فيها عبر الموسيقى فهو يتيح زوايا لنفهم الكثير عن مخرجيها وتصوّراتهم، فما كانوا يطلبونه من مؤلف الموسيقى التصويرية إنما هو في النهاية عصارة فهمهم لهذا الفيلم أو ذاك.