في كلّ عام، تشهد وسائط التواصل الاجتماعي اعتراضات لعدد من الشعراء الأردنيين على آلية اختيار المشاركين في "مهرجان جرش للفنون" الذي تنطلق دورته الخامسة والثلاثون الخميس المقبل (23 الشهر الجاري)، حيث تتكرّر معظم الأسماء ضمن قائمة تضمّ عادةً نحو عشرين شاعراً، وبالطبع كانت تسكت هذه الأصوات المعارضة إذا ما أُلحقت بأمسية ما، أو وُعدت بمشاركة في دورة لاحقة.
هذه المرّة، ارتأت اللجنة الثقافية أن توجّه دعوتها إلى واحد وتسعين شاعراً، لعلّها ترضي الجميع، رغم أنها مسألة مستحيلة في بلد يصل شعراؤه إلى قرابة ألفين وخمسمئة منذ تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، بحسب كتاب صدر منذ حوالى خمسة أعوام. وسيلقي المدعوّون قصائدهم على مدار عشرة أيام، في عمّان وعدد من المدن الأردنية، لجمهور لا يصل إلى العشرات في أحسن الأحوال، رغم كثرة متذوقي الشعر، الذين تحول دون مجيئهم أزمات السير الخانقة، على حدّ قول رئيس "رابطة الكتّاب الأردنيين" في آخر دورة من الفعالية نُظّمت سنة 2019.
يُنتظر في يوم الافتتاح إعلان "جائزة جريس سماوي" التي تبلغ ألفي دينار (ثلاثة آلاف دولار تقريباً)، وترعاه الرابطة ويموّلها المهرجان، علماً بأن هذه الجائزة يتبدّل اسمُها كلّما رحَل شاعر أردني. إذ كانت تحمل اسم الشاعر والكاتب خالد محادين في الدورة الماضية، ثم تغيّرت بعد رحيل سماوي، مدير المهرجان الأسبق، في آذار/ مارس الماضي، متأثّراً بإصابته بفيروس كورونا.
دعا المنظمون تسعين شاعراً أردنياً، لعلّهم يُرضون الجميع
الفعالية الشعرية الأكبر في البلاد تختلف في التفاصيل والأرقام بين دورة وأخرى، لكنّها تعبّر في جوهرها عن ذات المشهد الثقافي الذي تتحكّم به مؤسّسة رسمية تغلب على موظّفيها ذائقة تقليدية في الشعر، والثقافة بعامة، لتُصبح احتفاليةً موسمية عابرة ترفع اسم كاتب تفطّنوا محاسنه بعد رحيله، أو مناسَبة تصاغ من أجلها خطابات رنّانة لا تفضي إلى شيء.
وتُخَصّص الاحتفالية هذا العام لمئوية الدولة الأردنية، مع شعار خاصّ لها، وندوة تُعقَد بعنوان "الحركة الثقافية خلال مئة عام"، يتحدّث خلالها باحثان لم تخلُ صحيفة يومية من مقالات لهما كلّما احتُفل بمناسبة وطنية، وطُبعت لهما مؤلّفات عديدة على حساب المواطن الأردني، دافع الضرائب، فيما لم تستطع هذه الكتابات أن تكرّس لليوم روايةً رسمية مقنعة، لأنها تفيض بالإنشاء عند وصف الحُكم ومحاسنه، بينما تصمت حين يتعلّق الأمر بالمحطّات المهمّة والأكثر جدلاً في تاريخ الأردن.
بالعودة إلى الشعر، لا يمكن إنكار أن الإدارات الثقافية في الأردن تمتلك سمةً تفتقدها العديد من البلدان العربية، حيث توزّع الترضيات على أكبر قدر من الكتّاب، لأنها خاضعة لاعتبارات مناطقية وإقليمية وجندرية يستحيل الاستغناء عنها. أمّا الشعراء العرب الخمسة والثلاثون الذين يشاركون هذا العام، فلا تختلف الآلية التي يُدعون من خلالها، فجزء كبير منهم تكرّر اسمه في دورات سابقة، أو تربطهم علاقات بـ"الفاعلين الثقافيين" في الأردن.
يحضر هذا العام كلٌّ من الشاعر زاهي وهبي من لبنان، والمنصف الوهايبي وجميلة الماجري من تونس، وحسن نجمي من المغرب، وبروين حبيب من البحرين، وأحمد الشهاوي من مصر، وحسن المطروشي من عُمان، وفوزية أبو خالد من السعودية، وعبد الناصر صالح من فلسطين، وغيرهم.
مقسومةً على الجمهور ذاته، قرّرت إدارة المهرجان إقامة حوالى ثماني عشرة أمسية شعرية، وثلاث أمسيات للشعر النبطي، وأربع للقصة القصيرة، و"ليلة من الشعر والموسيقي" يُحييها الشاعر العراقي الشعبي مأمون النطاح، إلى جانب ملتقى نقديّ يتضمّن جلسة حول الآفاق الجديدة للدراما العربية، وأربع جلسات حول الرواية الأردنية، التي أُعلن تخصيص جائزة لها (بقيمة خمسة آلاف دينار؛ أي ما يعادل سبعة آلاف دولار)، كعُرف ابتدعه المنظّمون، ربما خلق مساراً تنافسياً جديداً بين الروائيين، ومعهم الشعراء الذين ارتحلوا إلى الرواية بعد تأسيس جوائز عربية تمنح جوائز ضخمة.
لم يُعقَد المهرجان العام الماضي بسبب تفشّي جائحة كورونا، وغاب برنامج الشعر معه، وكذلك الأمسيات الشعرية التي تنظّم هنا وهناك، ما خلّص المشهد من فائض المجاملات التي يتبادلها الكتّاب. هدوءٌ دام لعامين تقريباً، ليعود "جرش للثقافة والفنون" بصخبه وجوائزه!