"مهرجان الموسيقى الروحية": معركة لإثبات نسب

14 فبراير 2021
مِن "القصر الملكي" في فاس (Getty)
+ الخط -

منذ انطلاقه في مدينة فاس بالمغرب عام 1994، اتّخَذ "مهرجان الموسيقى الروحية" مِن فكرة التسامُح وجمع ثقافات الشعوب عنواناً عريضاً لدوراته التي ظلّت تُقام بانتظامٍ طيلة خمسة وعشرين عاماً، قبل أن تُلغى دورة 2020 ضمن ما أُلغي من مهرجاناتٍ بسبب وباء كورونا المستجّد.

غير أنَّ فكرتَي "التسامُح" و"الجمع" تبدوان غائبَتين عن دورة 2021، التي قد تنعقد في حزيران/ يونيو المقبل إذا ما انحسر الوباء؛ ذلكَ أنَّ المهرجان المغربي الأبرز في مجال الموسيقى الروحية يجدُ نفسه، وهو على بُعد أربعة أشهر مِن الموعد المفترَض لدورته الجديدة، في خضمِّ خلافاتٍ نشبت بين جمعيّتَين تدّعي كلٌّ منهما أحقيّتها بتنظيمه.

بدأت الحكايةُ في آخر أيام السنة الماضية؛ حين أعلنت "جمعية فاس سايس" عن تنظيم الدورة السادسة والعشرين من المهرجان بين الرابع والثاني عشر مِن حزيران/ يونيو المقبِل تحت شعار "أندلسيات جديدة"، واعدةً بتقديم "برنامجٍ بمستوىً عالٍ، ويتميّز بالتجديد". وقدّمت الجمعية، في مؤتمر صحافي، تفاصيلَ عن برنامج الدورة؛ مِن بين ما ورد فيه حضور فرقٍ صوفية مِن الولايات المتّحدة وسراييفو، وتنظيم مُنتدىً حول موضوع "ميثاق إبراهيم: بيانٌ من أجل إنسانية روحية" (ليس واضحاً محتوى الندوة، ولا سيما أن الإرث الإبراهيمي أصبح ذريعة وستارة لتمرير التطبيع مع الكيان الصهيوني).

سبق للقضاء أن تابع عدداً من منظّمي التظاهرة بتهمة اختلاس أموال

بدا الأمرُ، في البداية، مجرَّد خبرٍ صحافيّ عادي لم تتأخّر وسائل الإعلام المحلّية، بما فيها وكالة الأنباء الرسمية، عن نشره، لكنَّ جهةً أُخرى هي "جمعية روح فاس" ستُضيف بعد وقتٍ وجيز شيئاً من الإثارة إلى الخبر؛ إذ أصدرت بياناً عبّرت فيه عمّا أسمته اندهاشها مِن إعلان "طرفٍ ثالث" عن تنظيم الدورة المقبلة مِن المهرجان.

واعتبرت "روح فاس" أنّها الجهة الوحيدة المنظّمة للمهرجان منذ عشرين عاماً، واصفةً إعلان "فاس سايس" بـ "غير الشرعي" و"غير المسؤول"، مُضيفةً أنّها لن تُعلن عن أيّ موعدٍ لتنظيم الدورة الجديدة قبل أن تُصادق عليه السلطات المختصّة "امتثالاً للقواعد الصحية". كما لوّحت الجمعية باتّخاذ "جميع الخطوات القانونية للحفاظ على هذا التراث غير المادي... ولحماية المهرجان مِن جميع المناورات".

تواصلت "حربُ البيانات" ببيانٍ ردّت فيه "فاس سايس" على ما أسمته بـ"المغالطات" التي تضمّنها بيان غريمها "روح فاس". إحدى تلك المغالطات، بحسب البيان الجديد، هو "الادّعاء بأنها تُشرِف على تنظيم التظاهرة منذ عشرين سنة، في حين أنَّ المؤسّسة ذاتها لم ترَ النور إلّا في سنة 2006". واعتبَر البيان أنَّ "جمعية فاس سايس هي المؤسِّسة للمهرجان، والسبّاقة لتنظيمه من 1994 إلى 2005، وهي الوحيدة الحاصلة على شهادة تسجيل الملكية".

لِفهم خلفية الخلاف الذي قد يُهدِّد مستقبل المهرجان الموسيقي، تنبغي الإشارة إلى أنَّ مؤسِّس "مؤسّسة روح فاس" هو محمد القباج رئيس جمعية "فاس سايس" (ومستشار الملِك محمد السادس) التي أصبحت عضواً في مجلس إدارة المؤسَّسة. وتَعتبرُ الجمعيةُ أنَّ المؤسّسة لم تعُد تُنظّم المهرجان منذ مغادرة القباج رئاستها في 2014.

وليست هذه المرّة الأولى التي يواجه فيها المهرجان أزمةً مماثلة؛ ففي 2018، تابع القضاء المغربي خمسة وعشرين مشتبَهاً بهم بالتوّرُط في "تبديد واختلاس أموال "مؤسَّسة روح فاس" التي توصَف بأغنى الجمعيات في المغرب، وقد أثارت القضية جدلاً واسعاً في البلاد بسبب ما اعتُبر تساهُلاً معهُم وأحكاماً مخفَّفة في حقّهم؛ حيث جرى إطلاق سراح متّهمين مقابِل كفالات مالية وًصفت بالهزيلة.

المساهمون