تتنوّع اشتغالاتُ تيسير خلف بين الكتابة الأدبية التي صدرت له فيها عدّة أعمال قصصية وروائية، وبين البحث التاريخي الذي أضاء من خلاله على قضايا متعدّدة، في المسرح والحركات النسوية والأدب الجغرافي، تتّصل خصوصاً بفلسطين وسورية. وبين هذين المجالَين في - الأدب والتاريخ - خيطٌ واصِل في كتاباته؛ بحيث يُشكّل كلٌّ منهما مادّةً للآخر.
في روايته الجديدة "ملك اللصوص: لفائف إيونوس السوري"، الصادرة هذا الشهر عن "منشورات المتوسّط"، نلمس هذا التقاطُع بين الأدب والتاريخ والرحلة لدى الكاتب والباحث الفلسطينيّ السوري (مواليد القنيطرة عام 1967). فالرواية تستندُ إلى قصّة حقيقة بطلُها كاهنٌ سوريّ يغادر، سنةَ 136 قبل الميلاد، إلى جزيرة صقلّية؛ حيث يقود أوّلَ ثورة للمستعبَدين في تاريخ الإمبراطورية الرومانية، ويؤسِّس مملكة حاربتها روما طيلة أربع سنوات.
لا يعرف قارئ العربية الشيءَ الكثير عن هذ الشخصية التي يُحتفى بها في الغرب بوصفها رمزاً لمقاومة الاستعباد؛ على الرغم من أنَّ إيونوس لُقِّب بـ "ملك اللصوص"، بهدف "الحطّ من شأنه والتقليل من قيمة مُنجزه من قبَل المؤرّخين الرومان، الذين لم يُشنِّعوا عليه وحسب، بل منعوا صوته من الظهور في متن المدوَّنة التاريخية"، كما نقرأ على غلاف الرواية.
إيونوس السوري شخصية شبه مجهولة تُبنى الرواية على سيرتها
يتّخذ خلف مِن هذه الحكاية التاريخية موضوعاً لروايته، مانحاً لنفسه، كما في أيّ عملٍ فنّي، مساحاتٍ من التخييل، الذي لا يبدو دورُه، هنا، مُقتصراً على سدّ الفجواتِ المتوقَّعة في أيّةِ مادّة تاريخية.
يفترِض الروائيُّ أنَّ إيونوس عاد إلى مسقطِ رأسه؛ مدينةِ أفاميا السورية، وهناكَ يلتقي الفيلسوفَ والفلكيَّ والشاعر بوسيدونيوس الأفامي الذي يسأله عن حقيقةِ ما يُشيعه الكتّاب الرومان عن قسوته وموته في سجن مورغانتينا، فيُجيبه مدافعاً عن نفسه وعن تجربته القصيرة في الحكم. وهذا الجوابُ هو نصُّ الرواية نفسُه.
تُضيء الروايةُ على شخصية إيونوس المعقَّدة وحضوره الطاغي الذي جعل مستعبَدي صقلّية يقرّون، رغم طبيعته المسالِمة وخلفيته الكهنوتية، بزعامته ويعترفون به ملكاً عليهم. كلُّ ذلك عبر ثلاثةِ أقسامٍ يبدأ أوّلُها من طفولته في أفاميا وإرساله طفلاً منذوراً للآلهة في مدينة منبج المقدَّسة، والتي كانت تُسمّى هيرابوليس، ويسرد الثاني وقائع أسره واستعباده، ويُخصّص الثالث لقيادته ثورة المستعبَدين في جزيرة صقلّية وإقامته "المملكة السورية المقدَّسة" على أرضها.
قبل "ملك اللصوص"، صدرت لتيسير خلف خمسُ روايات؛ هي: "دفاتر الكتف المائلة" (1996)، و"عجوز البحيرة" (2004)، و"موفيولا" (2013)، و"مذبحة الفلاسفة" (2016)، و"عصافير داروين" (2018)، ومجموعة قصصية بعنوان "قطط أُخرى" (1993)، إضافةً إلى 16 كتاباً في البحث التاريخي؛ من بينها: "صورة الجولان في التراث الجغرافي العربي- الإسلامي" (2004)، و"موسوعة رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين" في ثمانية مجلَّدات (2009)، و"الرواية السريانية للفتوحات الإسلامية" (2014)، و"الحركة النسائية المبكرة في سوريا العثمانية: تجربة الكاتبة هنا كسباني كوراني" (2019) و"سيرة الأجواق المسرحية العربية في القرن التاسع عشر: مذكّرات الممثّلَين عمر وصفي ومريم سماط" (2022).