تزدحم روزنامة العام الحالي، 2021، في فرنسا، بالعديد من الاحتفالات المئوية بأسماء بارزة في عالم الأدب، ولعلّ من أبرزها الاحتفاء بالمئوية الثانية لميلاد كلّ من الشاعر شارل بودلير (1821 ــ 1867) والروائي غوستاف فلوبير (1881 ــ 1880)، اللذين يشكّل كلٌّ منهما حجر أساسٍ في الكتابة الحديثة الشعرية والروائية.
وفي هذه المناسبة، لا يكاد تمضي أيّامٌ من دون تنظيم تظاهرة للاحتفاء بأحدهما، أو من دون إعادة طبع أعمال لهما، أو حتى أعمالهما الكاملة. ومن آخر هذه الإصدارات قيام دار "فايار" الباريسية بإعادة نشر رواية "مذكّرات مجنون" لفلوبير، التي صدرت للمرة الأولى بعد رحيل الكاتب بواحد وعشرين عاماً، في 1901.
على أنّ الرواية، التي لا تُعَدّ الأشهر في تجربة فلوبير، هي أوّل عمل سردي كتبه، حيث أنجزها عام 1838 وهو لا يزال في السابعة عشرة من عمره، وفيها يمكن الوقوف على العديد من الثيمات التي سيعود صاحب "مدام بوفاري" للاشتغال عليها طيلة مساره الكِتابيّ، مثل الحب الصعب، والاختلاف الطبقي، ورغبة المرأة في التحرُّر.
يحكي العمل، الذي يتقاطع مع سيرة الشاب فلوبير، حكاية فتىً مغرمٍ بماريا، وهي امرأة متزوّجة، صادفها على الشاطئ في عطلة قضاها في إقليم نورماندي، شمال غربي البلاد. يستطيع الراوي الشابّ التقرُّب من عائلة ماريا، لكنّ خجله، ووقوعه على المرأة وهي تتحدّث بحميمية مع زوجها، يحولان دون إعلانه حبَّه لها، مكتفياً بذلك الجانب الأفلاطوني من علاقته بها، حيث تقتصر العلاقة على تبادُلٍ للآراء حول الأدب وعلى حزنٍ يعيشه الفتى من طرف واحد بعد انتهاء عطلة ماريا وزوجها.
لا يخفى تأثُّر فلوبير في هذا العمل من ناحية أجوائه (شابٌّ لمّاح يقع في حبّ امرأة متزوّجة تُظهر إعجاباً بالأدب والقراءة) ولغته الرومانسية من رواية "الأحمر والأسود" لستاندال، كما أنّ "مذكّرات مجنون" ستشكّل حجر الأساس الذي سيبني عليه فلوبير، لاحقاً، واحدة من أشهر رواياته، "التربية العاطفية" (1869)، التي سيطوّر فيها من شخصية بطله، الذي سيمنحه اسماً يُعدّ اليوم من أشهر أبطال روايات القرن التاسع عشر: فريديريك مورو، فيما ستتحوّل ماريا إلى شخصية مدام آرنو.