ما زالت الآثار المُتراكِمة للحرب في سوريّة موضوعاً أساسياً للنشاطات الفنّية التي يُقيمها الفنّانون السّوريون في المنافي، فحجم الخسائر وهول التدمير الذي لحق بالإنسان والعمران ينعكس دائماً على طبيعة الفنون ودورها التأريخي. كما أنّ المُدن السورية، التي شهدت حِصارات ومعارك لمدّة طويلة، باتت تُشكّل مادّة وثائقية ضخمة.
"دير الزور.. مدينة منكوبة على ضفاف الفرات" هو عنوان المعرض الفوتوغرافي الذي تحتضنُه "المكتبة العامّة" في مدينة أليزناو الألمانية. افتُتحَ المعرض في التاسع من الشهر الجاري ويستمرّ حتّى السابع والعشرين منه، ويهدف إلى تسليط الضوء على عُمران مدينة دير الزور السورية الواقعة على ضفاف نهر الفرات، إذ تُعتبر من أكثر المُدن تضرّراً جرّاء قصف النظام السوري وحلفائه، والعمليات العسكرية التي طالَت الإرث المادّي المباشر فيها، وخصوصاً مركزها التجاري بطابعه التراثي العريق والأحياء المحيطة به.
من المناطق التي يغطّيها المعرض؛ "السوق القديم" الذي يعود إلى أواخر الفترة العثمانية. وتجب الإشارة إلى المادّة الأساسية التي بُنيَ منها وهي الطين الذي يتوفّر بسهولة في منطقة حوض النهر، وفي هذا استمرارية لِما كانت تعتمده الحضارات الرافدينية القديمة من مواد في عمليات البناء.
كذلك منطقة "السرايا"، وهي شاهد على تطوُّر أشكال التنظيم والإدارة، بالإضافة إلى أحياء مثل "الرشدية" و"الحميدية" و"العرضي"، وأغلب هذه المناطق تكوّنت نواتُها الأولى في القرن التاسع عشر نتيجة لانتعاش الحركة التجارية عبر الفرات، وازدياد الاهتمام العثماني بها، علاوة على دور البعثات الأوروبية العلمية التي رصدت صلاحية المِلاحة في النهر والتنقيبات الأثرية، الأمر الذي انعكس بتنامي النشاط العمراني في المدينة آنذاك.
يُشار إلى أنّ المعرض من تنظيم مُشترَك بين مؤسّسة "غيردا هينكل" في "جامعة درامشتات التقنية"، والمعماري السوري أحمد عطيّة الذي جمع مادّة أرشيفية انطلاقاً من معايناته للمظاهر العمرانية في المدينة خلال عَقدَي التسعينيات ومطالع الألفينيات، ثمّ نسّق تلك المادة بالاعتماد على ما توصّل إليه من خلال البحث في "الأرشيف العثماني" لأهمّيته في توضيح الفترة الأولى التي بُنيت فيها الأسواق والأحياء المذكورة.
يضمّ المعرض 42 صورة متوزّعة على فترتين: ما قبل الحرب وما بعدها، وبهذا تمكنُ المقارنة بين الواقعَين؛ حيث تظهر بعض المناطق وهي مدمّرة بشكل كلّي مثل منطقة "السرايا" وكذلك "متحف التقاليد الشعبية"، أو بشكل جزئي مثل مئذنة "تكية الراوي" و"الجامع الحميدي".