"متحف قرطاج": من وعد بالترميم إلى آخر

17 ديسمبر 2021
جانب من المتحف الأثري في قرطاج، أيار/ مايو 2021 (العربي الجديد)
+ الخط -

تمثّل قرطاج العنوان التاريخي والثقافي الأبرز الذي ترفعه الدولة التونسية. لكنّ ما هو مبجّل في الخطاب، ليس بالضرورة كذلك في الواقع. حين يزور أحدهم الموقع الأثري في قرطاج، يجد أن التذكرة مُوحّدة بين زيارة الأوابد والمتحف، إلّا أنه منذ 2018 لن يتمكّن إلّا من زيارة الأوابد، ذلك أن المتحف مغلقٌ بداعي الصيانة.

مرّت أكثر من ثلاث سنوات على الإغلاق، لكنّ أشغال الصيانة لم تبدأ بعد. لم ينتبه كثيرون إلى ذلك إلّا مع إعطاء وزيرة الثقافة، حياة قطاط القرمازي، إشارةَ انطلاق مشروع تهيئة "متحف قرطاج" في ندوة صحافية أقيمت في السادس من الشهر الجاري. ما يؤسف له أكثر، أن البدء بالترميم لا يأتي من شعور داخلي بضرورة إعادة فتح المتحف، بل في إطار اتّفاقية شراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي تحت مسمّى "تونس وجهتنا"، التي يبدو من عنوانها أنها سياحيَّة الطابع. ولعلّنا نرجّح هنا أنه لولا هذه الاتفاقية لظلّ "متحف قرطاج" نسياً منسيّاً.

لولا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي لربما ظلّ المتحف نسياً منسيّاً

بالطبع، تُسوَّق الكثير من الذرائع حول تأخير أشغال الصيانة، من قبيل القول بضرورة إجراء دراسات حول مبنى المتحف وإعادة هندسته ضمن قواعد تصميم المتاحف الحديثة، وهكذا يصبح التطوير بجرّة قلم مبرِّراً لكلّ تأخير مهما طال.

من الندوة الصحافية للوزيرة، بات زائر قرطاج يعرف أنه لا يمكنه دخول المتحف إلّا في أواخر 2023 (كحدّ أدنى)، حيث إن الترميم لن ينطلق مباشرة، بل بعد تنظيم مناظرة في الهندسة المعمارية والسينوغرافيا. لكنْ يبقى ذلك أفضل من عدم تحديد مواعيد بداية الأشغال ونهايتها.

رسمياً، افتُتح المتحف عام 1964، لكنّ تاريخه يمتد إلى ما قبل ذلك بكثير، فقد عُرضت فيه أوّل مجموعة أثرية ملتقطة من الأطلال المجاورة له عام 1875، في مبنى كان حتى ذلك الوقت معتَكَفاً لـ"الآباء البيض" (رجال الدين الفرنسيين في مهماتهم التبشيرية ما قبل الاستعمار الفرنسي لتونس، 1881)، ثم حمل أسماء "متحف سان لوي" و"متحف لافيجيري" خلال الفترة الكولونيالية. ولما كان المبنى تابعاً للهيئات الكاردينالية، لم تتمكّن الدولة التونسية من استعماله مباشرة إثر الاستقلال (1956) وبقي إلى 1964 باسم "متحف لافيجيري" ليصبح بعدها باسم "المتحف الوطني" إثر توقيع اتفاقية تسوية بين الفاتيكان والدولة التونسية.

عرف المتحف عناية خاصة في تسعينيات القرن الماضي، كانت تونس وقتها تعيش بعض الإصلاحات مع وصول زين الدين بن علي إلى الحكم، ولكن لا يمكن التأكيد أن العناية بالمتحف كانت لأسباب ثقافية بحتة، حيث إن التسعينيات مثّلت مرحلة دخول الاستثمار المكثّف على السياحة، ولا شكّ في أن وجود متحف معتنىً به سيوفّر أسباباً إضافية لتدفّق السيّاح.

تجدر الإشارة إلى أن العودة إلى مشروع صيانة المتحف قد تكون هي الأخرى نابعة من حسابات سياحية، فمن المعروف أن موقع قرطاج قد دخل إلى قائمة التراث العالمي لليونيسكو عام 1979، غير أن هذا التصنيف أصبح مهدّداً بسبب عدم توافر الكثير من الشروط لا تتعلّق بإغلاق المتحف تحديداً، ولكنْ أساساً بسبب التوسّع العمراني في المناطق المجاورة، ما قد يهدّد البنية الأصلية للموقع الأثري برمّته ويُفقده جزءاً كبيراً من صبغته التراثية.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون