"متحف تراث الموصل": تقنيات افتراضية لترميم ذاكرة المدينة

17 اغسطس 2022
جانب من أنشطة المتحف الافتراضية (العربي الجديد)
+ الخط -

في 10 تمّوز/ يوليو 2017، أُعلن عن تحرير مدينة الموصل بالكامل من تنظيم داعش الإرهابي، الذي عمل خلال فترة وجوده في المدينة، منذ حزيران/ يونيو 2014 وحتى تاريخ تحريرها، على تهديم معالمها التاريخية وتشويه صورتها التراثية وتخريب إرثها العمراني. إذ فقدت الموصل خلال سنوات الحرب ما يقارب 90% من آثارها وتراثها، حيث تعرَّض أغلبها إلى التدمير بفعل التفجير والتخريب، كما جرى تهريب الكثير منها. وإضافةً إلى معالم الموصل ومتحفها، فقد دُمِّرت إلى جانبها مدن ومواقع أثرية أُخرى، مثل: مدينة أسكي موصل، والحضر، والنمرود، وخورسباد، إضافة إلى تجريف جميع بوابات مدينة نينوى الأثرية وأسوارها.

من هنا جاءت فكرة "متحف تراث الموصل" الافتراضي، الذي افتُتح في 16 حزيران/ يونيو الماضي، كمحاولة لأرشفة الهوية الثقافية لمدينة الموصل وجعلها حاضرة، حيث يُعدّ المتحف الافتراضي الأوّل من نوعه في العراق، ونُفّذ من قِبَل شركة "قاف لاب" المتخصّصة في إنشاء وإدارة أنظمة المباني الذكية، إضافةً إلى مساهمة العديد من الفنّانين والنحّاتين بأعمال مصغَّرة مفترضة للآثار والمباني التراثية.

أُقيم المتحف في "بيت الارحيّم"، وهو من البيوت الموصلية ذات العمارة التراثية التي تمثّل عيّنةً من طابع المدينة المعماري ونقوشها وزخرفتها، بمساحة 800 متر مربع، ويقع بين قلعَتي قرّة سراي المُطلّة على نهر دجلة. حيث يمثّل البيت الطبيعة التراثية التي عُرفت بها بيوت الموصل من نقوشٍ على الحيطان بالزخارف الموصلية، والآيات القرآنيّة المحفورة على المرمر، فضلًا عن الشبابيك الخشبية القديمة؛ وقد أُعيد ترميمه بعد تحرير المدينة، حيث تعرَّض لأضرارٍ كبيرةٍ بفعل التنظيم الإرهابي، وتعود ملكيَّته إلى الموصليّ أسامة الارحيّم، إذ تبرَّع تحديدًا لهذا المشروع الذي أُنشئ وافتُتح من قِبل فريق "تراث الموصل" المَعنيّ بتراث ما بعد الحرب وتوثيقه والعناية بما تبقّى منه.

اتخذ المتحف من أحد البيوت التراثية المرمّمة مقرّاً له

مجسّم لباب نركال الأثري - القسم الثقافي
مجسّم لباب نركال الأثري

"متحف التراث الموصلي" تكثيفٌ لتاريخٍ وذاكرةٍ تختصّ بهما المدينة وحدها، وفي أروقته وغُرفه تلخيصٌ لكلّ ما يتعلّق بالموروث الحضاري، إذ يضمُ الكثير من التحف الأثرية والمقتنيات الشعبية والنماذج الموصلية التي مثّلت هوية المدينة على مدار حقب مختلفة. وتُعرض فيه المُجسّمات المعمارية التي تمثّل المعالم الأثرية بتفاصيلها الدقيقة، إضافة إلى أن المتحف يضمّ وثائق تاريخية وأثريات تعود لبيوت موصلية قديمة، تبرَّع بها أصحابها لتكون من ضمن مقتنياته؛ كما يضمّ غُرفاً مؤثَّثة بالمقاعد التي تتميَّز بطابعها الزخرفي الخاص والفرش والسجّاد.

أمّا أبرز ما يُميّز المتحف، فهي تقنية الواقع الافتراضي، حيث تُتيح للزائرين إمكانية مشاهدة أهم المعالم التاريخيّة التي دُمّر أغلبها، مثل "جامع النوري" و"كنسية الساعة" و"مرقد النبي يونس" و"منارة الحدباء" وغيرها بتقنيّتي الـ VR والـ AR، بالإضافة إلى وجود جهاز Hologram تُمكن من خلاله مشاهدة الأماكن التراثية على شكل مجسّمات ثلاثية الأبعاد، إلى جانب الشرائط التوثيقيّة التي تُعرَض على شاشة عرض كبيرة داخل المتحف.

الغرفة الافتراضية - القسم الثقافي
من الغرفة الافتراضية

في حديثهِ إلى "العربي الجديد"، يقول أيوب ذنّون، مؤسِّس فريق "تراث الموصل" والمشرف على المتحف: "المتحف هو مشروع لإعادة مكانة المدينة التاريخية وتوثيق تراثها الذي شوَّهته الحرب، ولتعريف العالم بخصوصيَّته. إنه يمثّل هوية المدينة الثقافية التي كادت تُمحى بسبب الحرب، بعد أن فُقدت أغلب المعالم التاريخية والأثرية فيها". وفي حين وثّقت شركة "قاف لاب" ــ المُشرفة على الغرفة الافتراضيّة في المتحف ــ عشرة مواقع تُعرض ضمن برنامجه الثقافي، فإن أيوب يشير إلى أن العمل جارٍ على توثيق المواقع الأثرية الأُخرى "لتكون من ضمن عروض المتحف الافتراضي"، الذي قد يكون البديل الوحيد عن الآثار التي دُمِّرت بشكل نهائي ولا يمكن ترميمها.

وفي حديثه عن أهمية المشروع، يشير المتحدّث إلى "أنَّ المتحف الحالي هو بديل عن معرض الموصل الأثري الذي دُمِّر على يد تنظيم داعش الإرهابي خلال وجوده في الموصل". ويضيف: "نعمل على تطوير المتحف وتوسيع المكان لاحتواء المزيد من المقتنيات وتوثيق ما يمكن توثيقه من معالم أثريّة وتراثيّة".

يُذكر أن فعاليات المتحف - الذي يقدّم نشاطاته بشكل يومي - لا تقتصرعلى العرض فقط، بل شهد في الأيام والأسابيع الماضية أمسيات موسيقية وشعرية تمحورت في مواضيعها حول الموصل والذاكرة والمكان.

المساهمون