في مطلع 2018، أعلن فريقٌ من الأثاريّين تابعٌ لـ"المعهد الوطني للتراث" في تونس اكتشافهم كنيسةً أثرية مطمورةً تحت الأرض في موقع كستيليا الأثري بمدينة دقّاش بالقرب من مدينة توزر جنوبيّ البلاد، تعود إلى العصر البيزنطي أو ما يُعرف بالعصر الروماني المتأخِّر، الذي يُشير إلى الفترة التي سبقت دخول الإسلام إلى شمال أفريقيا، وسْط توقُّعاتٍ بأنَّ ذلك لن يكون سوى حلقةٍ مِن سلسلة اكتشافات أثرية جديدة في المنطقة.
تحوي الكنيسة ـ التي تمتدّ على مساحة 140 متراً مربَّعاً وترتفع بعلوّ ثلاثة أمتار ونصف ـ محراباً ومدخلاً رئيسياً ومدخلَين فرعيَّين وغرفتَين ومعبداً تحمله أربعة أعمدة، وقد رجّح الأثريّون أنَّها هُجرت بعد استخدامها طوال أكثر من قرنَين.
وتكمُن أهمية الاكتشاف في كونه يُمثّل مؤشّراً على وجود مدينةٍ كاملة مطمورة تحت الأرض؛ حيثُ اكتُشفَت جدران إلى جانب الكنيسة، فضلاً عن أنّ من شأن هذا الاكتشاف الإسهام في الإضاءة على فترةٍ تاريخية لم تحظَ بدراسات كافية، مقارنةً بغيرها من الفترات في تاريخ تونس، مثل العصور الرومانية الأُولى أو الفترة الإسلامية.
يُضيء الاكتشاف على فترة من تاريخ تونس لم تحظَ بدراسات كافية
بناءً على ذلك، واصل "المعهد الوطني للتراث" حفرياته التي انطلقت عام 2017، على أمل الوصول إلى المدينة المطمورة المفترَضة. وفي المرحلة الثالثة، التي انتهت في شباط/ فبراير من عام 2019، أُعلِن اكتشاف جزءٍ جديد من الموقع قرب الكنيسة البيزنطية، ما سمح بالتأكُّد مِن أنَّ الجدران المكتشفة سابقاً مبانٍ سكنيّةٌ فعلاً. وخلال هذه المرحلة أيضاً، اكتُشِفَت أربعة قناديل خزفية داخل الكنيسة، إلى جانب قطَعٍ نقدية.
وقال ممثّل "معهد التراث" في توزر، مراد الشتوي، حينها، إنَّ تلك اللُّقى ستُسهم في تحديد زمن بناء الكنيسة، مشيراً - في تصريحاتٍ صحافية - إلى أنَّ الحفريات، التي أُنجزت بمشاركة طلبة جامعيّين، ستمتدُّ إلى بقية الجدران المكتَشفَة بجانب الكنيسة.
وفي مطلع تشرين الأوّل/ أكتوبر الجاري، انطلقت أشغال المرحلة الخامسة من الحفريات بإشراف الباحثَين في المعهد، مراد الشتوي والعربي الصغير العربي، بعد المرحلة الرابعة التي انتهت في شباط/ فبراير 2020 باكتشاف مساكن متلاصقة، والتعرُّف إلى طبيعة أحدها، وهو مسكنٌ معُدٌّ للكَهَنة، ويضمُّ ثلاث غرفٍ، إحداها مخزنٌ يحوي رحىً وجراراً.
يُذكَر أنَّ الموقع كان قد تعرَّض، بعد أيام قليلة من إعلان الاكتشاف، لسلسةٍ مِن الأعمال التخريبية التي أدّت إلى تهشيم الأعمدة الرئيسية الحاملة لمعبد الكنيسة، حيث عمد مجهولون إلى إلقاء الأعمدة أرضاً، ما أدّى إلى إصابتها بكسور متفاوتة، وهو ما دفع جمعيات مهتمّة بالتراث إلى المطالبة بالإسراع إلى تسييج الموقع الذي تبلغ مساحته قرابة هكتار ويعود إلى نهاية القرن الرابع وبداية الخامس الميلادي، لحمايته من اعتداءات مماثلة.