كانت "كراس حساب" من تأليف وإخراج وليد الألفي أول مسرحية تعرض عقب تسلم الحكومة المدنية لمهامها في السودان، حيث سعت إلى توثيق الثورة التي أطاحت بالنظام السابق العام الماضي، وصولاً إلى مأساة فض اعتصام المتظاهرين أمام مقّر قيادة الجيش.
أعيد عرض العمل في الثاني من الشهر الجاري على خشبة "المسرح القومي" في مدينة أم درمان، كما ستعرض قريباً على مسرح "قاعة الصداقة"، في حال توفّر التمويل من قبل وزارتي الثقافة والعمل، والذي يعتبر عائقاً أساسياً أمام الحركة المسرحية في البلاد.
يوضّح الألفي في حديثه إلى "العربي الجديد" بأن "المسرحية نتاج ورشة في ساحة الاعتصام أيام الثورة، وكان الهدف من الورشة هو استخدام المسرح كوسيط علاجي للناجين من العنف المصاحب للتظاهرات من اعتقال وتعذيب وإساءة لفظية وتحرش جنسي، خصوصاً أن المشاركين هم ممن تعرضوا إلى هذا الأذى، وبالتالي كان الهم الأساسي هو مساعدتهم لتخطي هذه الجراح، وفعلاً بدأت الورشة في رمضان، والناتج كان عرض "كراس حساب" في نسختها الأولى، وكانت آخر بروفة قبل فض اعتصام قيادة الجيش بسويعات".
المسرحية نتاج ورشة في ساحة الاعتصام أيام الثورة
ويشير إلى أن "العمل تمّ تقديمه العام الماضي لجمع مساعدات للناجين من السيول، وبالفعل حقق نجاحاً على مستواه الفني وعلى مستوى جمع المساعدات المالية والمواد الغذائية والملابس وغيرها، ومن ثم تم اختياره لافتتاح مهرجان عبدالكريم ميرغني للمسرح".
أما عرض هذا العام فاتجه نحو الخطاب الثوري الجمالي، بحسب الألفي الذي يقول: "صحيح أنه يوثق للثورة وجريمة مجزرة فض الاعتصام، لكنه أيضاً يذهب بعيداً ليناقش أزمة الحكم في ظل الحكومه الانتقالية ليوجه إليها النقد، وقد تمّ اللجوء إلى الموسيقى الغنائية بجانب الرقص المعاصر المستلهم من التراث".
يضيف: "أغلبية المشاركين هم من خارج الوسط المسرحي التقليدي، ومعظمهم يصعد خشبة المسرح لأول مرة مع ممثلين محترفين مثل محمد أحمد الشاعر ونجوى الحاج بمشاركة عازف الكمان حسام عبد السلام".
يبيّن الألفي أن "المسرحية هي مجموعة حكايات وقصص من شارع الثورة تُظهر مقاومة الشباب لعنف السلطة، فإلى جانب عنف الاعتقال، تظيء على استشهاد أحد الثوار بسبب التعذيب وحرمان أسرته من زيارته قبل استشهاده وبعده، والقصص كلّها للحراك الجماهيري وجانب أحلام الشباب ورؤيتهم للمستقبل وخوفهم من سرقة الثورة بواسطة النخب السياسية".
ويرى أن "العرض استطاع أن يتنبأ بالقادم الذي تحقق، ومن ضمنه عملية فض الاعتصام نفسه، هذا المشهد الذي ظل يبكي الجمهور في كل مرة نقدم فيه المسرحية، وقد تم تأليفه قبل سويعات من المجزرة"، مستدركاً أن "المسرحية تعتمد صناعة العرض كنهج وليس الإخراج، وهي تحاول أن تخلق طرائق مسرحية جديدة مستلهمة للثقافة والإرث السودانيين من خلال توظيف أنماط الحكاية الشعبية وطريقة البناء الدرامي في الأساطير، إلى جانب الغناء الشعبي برقصاته، لا سيما وأن السودان قارة من التنوع الثقافي".
يتابع: "ينسجم مفهوم صناعة العرض مع مشروع السودنة، وجعل البيئة الثقافية هي المرجع في عمليتي البحث والتدريب باعتبارهما ركيزتين أساسيتين، خصوصاً أن النص المكتوب يأتي بعد العرض وليس هو البداية"، مشيراً إلى أن "عدد المشاركين في العرض من الممثلين والموسيقين والإداريين يتجاوز مئة شخص، وهو أكبر فريق مسرحي على مدى تاريخ المسرح السوداني، حيث يظهر أكثر من ثلاثين ممثل في وقت واحد".