"قصر يلديز": أرشيف مرئي لآخر أيام الدولة العثمانية

25 أكتوبر 2021
رسم لقصر يلديز في القرن التاسع عشر (Getty)
+ الخط -

بعد جهود بحثية استمرت لخمسة أعوام، صدر أخيراً كتاب "قصر يلديز" من إعداد ثلاثة أكاديميين أتراك: ملاك أوزيتجين، ووحد الدين إنجين، وعائشة إرساي يوكسال. وتعود أهمية هذا الكتاب في تناوله لكل التفاصيل المتعلقة بقصر يلديز، مركز إدارة الدولة العثمانية في سنواتها الأخيرة. وقد صدر الكتاب عن "مركز السلطان عبد الحميد الثاني للبحوث والتطبيقات"، التابع لجامعة يلديز التقنية في إسطنبول. وهو أول مركز مختص بالدراسات حول عهد عبد الحميد، تم تأسيسه عام 2015، بهدف كشف الجوانب المجهولة في تلك المرحلة الحرجة من عمر الدولة العثمانية.

وبحسب البروفيسور وحد الدين إنجين، أحد مُؤلفي الكتاب، فإن "قصر يلديز" هو الكتاب الأكبر والأشمل حول تاريخ القصر حتى الآن. في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول إنجين: "يتناول الكتاب تاريخ قصر يلديز، وخصوصاً في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، من جوانب سياسية واجتماعية وثقافية ومعمارية مختلفة، إلى جانب تضمّنه لوثائق وخرائط وصور للقصر تُنشر للمرة الأولى. ويعود اهتمام المركز بتاريخ هذه القصور إلى غياب الكتب التي تعتمد على الأبحاث الأرشيفية حول تاريخها، والاكتفاء لعقود بنشر الكتب التي تتضمّن فقط بعض الصور الترويجية للسوّاح".

يضع الكتابُ القصرَ في سياقه السياسي والاجتماعي والمعماري

ويتناول الكتاب في قسمه الأول الحياة اليومية داخل قصر يلديز، وأبرز الأحداث السياسية التي شهدها القصر عندما كان مركزاً إدارياً للدولة العثمانية، بعد أن اتخذه السلطان عبد الحميد مقراً له طوال فترة حكمه بدلاً من "قصر دولمه بهتشه" المطل على البوسفور في منطقة بشيكتاش. ويرجع ذلك في المقام الأول، بحسب ما ورد في الكتاب، إلى أن "دولمه بهتشه" كان مصدر تهديد بالقصف من البوسفور، وقد حدث ذلك بالفعل أثناء خلع السلطان عبد العزيز، حيث أغلق أسطول المحتجّين حركة القوارب بين القصر والبحر، بينما كان "قصر يلديز" أكثر أماناً لكونه محاطاً بالغابات كثيفة الأشجار، وقد بُني على تلة مرتفعة. ويتناول الباحثون في هذا القسم أيضاً أبرز التغييرات التي أجراها السلطان عبد الحميد في بنية القصر العثماني وطريقة تنظيمه الإداري، وربط هذه التغييرات بطريقة إدارته للولايات العثمانية. 

كما يركز الكتاب في القسم الآخر على الميزات المعمارية والزخرفية لقصر يلديز والقصور الصغيرة من حوله في سياقها التاريخي، من خلال ربطها بالأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية المهمة في تلك الفترة. وأبرز التعديلات التي أُجريت له، منذ أن بناه السلطان سليم الثالث لوالدته مِهْرِيشَه عام 1790 حتى تعرض للنهب والحرق الجزئي بعد خلع عبد الحميد عام 1909. 

جدير بالذكر أن "مركز السلطان عبد الحميد" قد أعلن العام الماضي عن قيامه برقمنة "ألبومات يلديز الفوتوغرافية"، التي تتضمن 36,585 صورة في 911 ألبوماً. وقد التُقطت هذه الصور في 38 دولة بطلب من السلطان نفسه لمعرفة أحوال الولايات العثمانية. وفي ضوء هذا المشروع، أصدر المركز عدة كتب، أبرزها: "نظرة لمنطقة الأردن إبان القرن التاسع عشر على ضوء مجموعة صور قصر يلديز الفوتوغرافية"، وقد صدر بالعربية والتركية وتضمّن 86 صورة فوتوغرافية للأراضي الأردنية العثمانية منذ حوالي 100 عام، من أجل تسليط الضوء على التاريخ المشترك للعاصمة العثمانية والأردن. وكتاب "العلاقات البريطانية العثمانية على ضوء مجموعة صور قصر يلديز الفوتوغرافية"، بالإضافة إلى العديد من الدراسات المهمة في هذا السياق.

تأتي أهمية الدراسات التي يقدمها "مركز السلطان عبد الحميد" في كونها تتيح للباحثين فرصة لإعادة النظر في العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في الأيام الأخيرة للدولة العثمانية، من خلال أرشيف مرئي ثري، يكشف تفاصيل الحياة اليومية في مناطق جغرافية مختلفة ضمن الأراضي العثمانية. 

 

المساهمون