غالباً سيعتقد من يمسك بالطبعة الفرنسية التي صدرت مؤخراً لكتاب "في جذور الانهيار" بأنه عمل يتحدّث عن الجائحة العالمية وينظّر لإشكاليات فتحتها على مختلف المستويات، لكن هذ الكتاب كان قد صدر في 2012 كدراسة علمية نشرها الباحث الأسترالي غراهام ترنر في المجلة الأكاديمية "منظورات إيكولوجية".
هذه المعلومة تقدّم للقارئ منذ بداية العمل للإشارة إلى أمرين: أولاً رفع كل تداخل بين سياق التأليف وسياق صدور الطبعة الفرنسية (منشورات "بيف")، وثانياً توضيح أن التفكير في الأزمات ليس طارئاً كما يعتقد كثيرون، فمنظومة البحث العلمي تشتغل على عدة إشكاليات تبقى في الظل نظراً لعدم اهتمام وسائل الإعلام ودوائر القرار الرسمي بها.
يقوم عمل ترنر على إضاءة مجموعة من النقاط في الواقع، على مستوى شامل، بحيث يظهر في كل مرة أن الخيارات السياسية والاقتصادية والبيئية المعتمدة تفضي إلى طرق مسدودة. بشكل ما يبدو العمل مثل استئناف لأطروحات ماركس في منتصف القرن التاسع عشر لكن مع إدماجها في قواعد الكتابة الأكاديمية حيث لا يفضي كتاب ترنر إلى دعوة للثورة بل إلى انتهاج معالجات مختلفة للأزمات بحيث لا يؤدّي ذلك إلى انهيار حضاري شامل.
من أهم ما يقدّمه ترنر أيضاً أنه يعود إلى فحص الأسباب التي أدّت إلى انهيار حضارات قديمة، ويظهر المؤلف التشابهات بين حاضر البشرية اليوم وما حدث من قبل، كما يشير إلى وجود إنكار ثقافي وعلمي لأهم الإشكاليات؛ الإيكولوجية منها على وجه الخصوص.
يعمل المؤلف أيضاً على تأصيل استعمال مفهوم الانهيار في العلوم الإنسانية حيث يلاحظ أن غياب المصطلح عن المجتمع العلمي يؤكّد فرضية الإنكار التي يعتمدها أمام المشكلات التي يعتقد أنه يصعب حلّها أو مقاربتها.