في عام 2019، أطلقت "مؤسّسة عبد المحسن القطّان" في بلدة الطيرة غربي رام الله، مشروعاً بحثياً لجمع مواد جوّية وخرائط وملفّات عن التصوير الجويّ لفلسطين من مختلف الأرشيفات الموجودة في بريطانيا وتركيا وألمانيا وغيرها، حيث جرى البدء بالتقاط أولى الصور عبر الطائرات في العقد الثاني من القرن الماضي.
تضمّن المشروع دراسةَ كيفيةِ إنتاج هذه الصور والخرائط، ولماذا تمّ إنتاجها، وبأي شكلٍ أُنتجت، ومَن أنتجها، إذ تمّ استعمالها للنظر إلى فلسطين كنصٍ مرئيٍ يدعم تشكيل السياسة والثقافة والاقتصاد والأيديولوجيات المختلفة للمستعمرين.
تحتضن المؤسسة يوم السبت، الحادي عشر من الشهر الجاري، معرض "فلسطين من الأعلى" الذي يتواصل حتى الخامس عشر من كانون الثاني/ يناير من العام المقبل، ويضم مجموعة واسعة من الوثائق التاريخية والأرشيفية، إلى جانب عددٍ من الأفلام والمساهمات الفنية المختلفة.
يتّكئ المعرض على نتائج الدراسات التي خلصت إلى أن التصوير الفوتوغرافي الجويّ، وعلى امتداد مراحل زمنية مختلفة، يبدأ من العهد العثماني، مروراً بالانتداب البريطاني، وانتهاءً بالاستعمار الإسرائيلي الراهن؛ وأنه زوَّد الحكومات، جنباً إلى جنب مع تصوير الأفلام ورسم الخرائط، بالمعرفة والسلطة اللتين تتيحان لها مراقبة الأرض والشعب والموارد.
يضمّ المعرض وثائق تاريخية وأرشيفية، إلى جانب عددٍ من الأفلام والمساهمات الفنية المختلفة
ويشير بيان المنظّمين إلى أن مسألة التصوير الفوتوغرافي الجويّ تحظى بأهمية كبيرة في السياقات التاريخية الفلسطينية، موضحاً أن "مشهدَ فلسطين من السماء شكّل، تاريخياً، جزءًا شديد الأهمية من حربٍ استعمارية واضحة شُنّت باستخدام أحدث أشكال تكنولوجيا التصوير، ورسم الخرائط، والاستشعار عن بعد، والرصد، التي رافقت تحرُّكات الجيوش على الأرض، وهدفت إلى الهيمنة على المنطقة والسيطرة عليها. وفي الأزمان المعاصرة، تحوّل هذا المنظور إلى تكنولوجيا أمنية معقّدة، ووسيلة من وسائل الردع".
يقدّم المعرض قراءة للجغرافيا الفلسطينية بشكلٍ يتجاوز مجرّد تفسير ما تبيّنه الصور والخرائط والأفلام الجوية، نحو تفكيك السياسة التي زرعت هذه التكنولوجيا في السماء، والوقوف على الأسباب التي تقف وراء إنتاج هذه الصور، على اعتبار أنه من غير الممكن فهم ما تم إنتاجه في السماء، دون فهم السياق الأرضي، بل ودراسته من منظور الحقائق التي لا يمكن رؤيتها من أعلى.
كما يسعى إلى تقويض سلطة كتابة التاريخ وتوثيق المجتمع التي تنحصر بين يدي أنظمة السلطة المختلفة، وتقديم سرديات تاريخية بديلة عبر عرض أعمال لفنانين مختلفين إلى جوار مواد أرشيفية تاريخية من جهة، والمقارنة بين هذه الأعمال، وتحليل المواد المؤرشفة التي تعكس شكل سلطة وهيمنة الأنظمة الكولونيالية من جهةٍ أخرى.
ويضمّ المعرض مساهمات فنيّة لكلٍّ من عامر الشوملي، وأندرو يب، ورانيا اسطفان، و"استوديو كامب" (CAMP)، ورينيه جبري، وآيرين أنسطاس، وجاك برسكيان، وصوفي ارنست، وخالد جرّار، وناهد عوض، وكمال الجعفري، و"دار" (DAAR)، وجيان سبينا، ومتحف آي فيلم (Eye Film)، ومجموعة فورنزيك أركيتكشر (Forensic Architecture)، و"مركز المعمار الشعبي – رواق".