"عيش الغراب" لثريّا فهمي.. أسطورة ووجه أنثوي

24 أكتوبر 2022
جزء من عمل بعنوان "بوم كاريل" (من المعرض)
+ الخط -

ارتبط حضور الكائنات الطبيعية في الوعي الإنساني البدائي بالأسطورة؛ وحدها كانت قادرة على إعطاء الأشياء معناها، ومن خلال هذا المعنى مكّن الإنسان لنفسه وراح يتعاطى مع الطبيعة ويقرأها.

هذا الارتباط هو ما تشتغل عليه التشكيلية المصرية ثُريّا فهمي (1968) في معرضها الذي يحمل عنوان "عِيش الغراب" (اسمٌ لأحد أنواع نبات الفِطر)، وتستمرّ فعالياتُه في "زمالك آرت غاليري" حتى 7 تشرين الثاني/ نوفمبر المُقبل.

تبني فهمي مادّة لوحاته على تصوّر أسطوري، إنّها النظرة البدائية التي تستثمر فيها الفنانة وتعيد صياغتها بأدوات خاصة تؤكّد أنّ البشرية ــ وإن تجاوزت الأسطورة اليوم ــ تبقى بحاجة إليها من باب التذكير بموقع الإنسان في نظام الطبيعة والكون.

المَسقط الرأسي الذي يُعطي الفِطر هيئة رغيف الخُبز هو ما منحه اسمه الأوّل "عِيش"، أمّا "الغراب" فهو التفصيل الحيوي للأسطورة، إذ يُقال إنّ الغراب هو مَن علّم الإنسان أن يأكل هذا النوع من الفِطر ــ دوناً عن غيره ــ رغم أنه قد يكون سامّاً. 

الصورة
من معرض ثريا فهمي - القسم الثقافي
(من المعرض)

تُترجم لوحات المعرض مجموعة واسعة من الأمثال والأقوال الشعبية التي حضر فيها الغرابُ بطلاً، وتستعير من التعالي الشفوي لهذه المرويات صورةً أيقونية، من خلال معادلة لونية تشفّ فيها الوجوه الأنثوية عن مسحة بريئة لا تخلو من الطفولية، وتحيل إلى درجة تُرابية من البُنّي ليست سوى اتّحادٍ بِسُمرة الأرض؛ هُنا لا نستطيع الفصل بين الاثنين، أو التساؤل مَن يُلقي بظلّه على الآخر: الأرض أم الإنسان؟

ولا شكّ أنّ بطولة الغُراب في القصص الشعبي والأسطوري يشوبُها الكثير من السلبية، وبالتالي، فإن نقْلَها إلى إطارٍ تشكيلي لا يخلو من مُغامرة عجائبية (فانتازية) يستعيد فيها ذلك الطائر "المظلوم" مكانته التي يستحقّها.

الصورة
من معرض ثريا فهمي 2 - القسم الثقافي
(من المعرض)

كذلك تستعير الوجوه في لوحة فهمي الاستدارة والتسطيح من الفِطر، حيثُ تتراصف الأعضاء فيها لتعطي في النهاية هيئة دائرية لا تفلت منها، بل تؤكّدها لوحة إثر لوحة وتُعرّف نفسها من خلالها؛ بهذا يصبح التسطيح توقيعاً خفيّاً أو تعريفاً سهلاً، لا يحتمل أيّة إضافة أو تعقيد.

المساهمون